الصين وأفغانستان.. تردد قبل بناء علاقات والسبب طالبان
في ظل تردد الصين دخول الساحة الأفغانية، والاستفادة من الفراغ الذي تسببت فيه الحركة الأفغانية عقب سيطرتها على مقاليد الحكم، تم التشكيك في احتمالات قيام بكين بعملية إنقاذ لحركة «طالبان»، إذ يأتي انتظار الحكومة الصينية وقت طويل منذ صول طالبان إلى السلطة قبل إرسال كبير دبلوماسييها أمر مثير للدهشة، حيث توقع البعض أن تندفع بكين للاستفادة من فراغ السلطة الذي ظهر بعد انسحاب الناتو ودمج أفغانستان بشغف في مجال نفوذها، حيث تبنت بكين نهجًا شديد الحذر والابتعاد عن المخاطرة مع بعض المشاركة الدبلوماسية، وقليل من النشاط الاقتصادي.
قلق صيني
ومنذ استيلاء الحركة الأفغانية على مقاليد الحكم في أغسطس 2021، لم تقدم الصين سوى مساعدة قليلة نسبيًا لأفغانستان، حيث لم تتخط إجمالي مساعداتها 80 مليون دولار، وهو مبلغ يتضاءل مقارنة بأكثر من 500 مليون دولار تبرعت بها الولايات المتحدة في نفس الفترة آنذاك.
وخلال العقود الماضية، تجنبت بكين الاضطلاع بدورٍ قياديٍ في أفغانستان ولا تظهر أي بوادر لتولي دور قيادي الآن، حيث اعتمدت خلال الحرب على دول الناتو لتوفير الجزء الأكبر من مساعدات الأمن والتنمية، حيث شككت مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية في احتمالات قيام الصين بعملية إنقاذ لحركة طالبان الأفغانية.
ومع عودة طالبان إلى السلطة، تتوقع الصين مرة أخرى أن تقوم الولايات المتحدة ودول أخرى بمعظم الأعمال الإنسانية الثقيلة، حيث لا يقتصر الأمر على المساعدات الصينية فقط، فالنشاط التجاري ضعيف أيضًا على الأرض، حيث تحجم الشركات عن التورط في سوق عالية المخاطر مثل أفغانستان، إذ تواجه طالبان تحديات من داعش وجماعات مسلحة أخرى، إضافة إلى وجود أزمة اقتصادية وإنسانية هائلة تعصف بالبلاد، في ظل وجود توترات داخل حركة «طالبان».
ووفق مقال نشرته المجلة الأمريكية، فإن بكين على ما يبدو مترددة في دخول الساحة الأفغانية، معتبرة بالتاريخ الكارثي للتدخلات الأجنبية في البلاد، فعلى الرغم من انضمام أفغانستان في 2016 إلى مبادرة الحزام والطريق وتلقيها تعهدًا ضئيلًا بالاستثمار، لكن لم يتم إحراز أي تقدم، فإن ما يثار حول أن كابل ستصبح قريبًا جزءًا حيويًّا من المبادرة هي فكرة مستبعدة، منوهًا إلى أن الطرق البرية الإقليمية لمبادرة الحزام والطريق تتحرك عبر آسيا الوسطى وباكستان، متجاوزة أفغانستان.
الخبير الاقتصادي في وزارة التجارة الصينية «مي شينيو»، كتب مقالًا بعد فترة وجيزة من استيلاء طالبان على السلطة يجادل فيه بأن أفغانستان ليست ذات صلة بمبادرة الحزام والطريق، وأن الاستثمار على نطاق واسع يجب أن يتأخر، مشيرًا إلى أن مبادرة الحزام والطريق تتباطأ، وتعاني من أزمات الديون، ومزاعم الفساد، والمشاكل البيئية، ووباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، مما يجعل من غير المحتمل أن توسع الصين المبادرة لتشمل دولة مدمرة مثل أفغانستان، والتي بالكاد تستطيع طباعة عملتها ناهيك عن خدمة الديون الخارجية.
وعن التهديدات التي تمثل عقبة أمام استثمار مبادرة الحزام والطريق، لفت «ناشيونال إنترست» الأمريكية، إلى أن التهديدات من داعش خراسان والجماعات المسلحة الأخرى تشكل عقبة رئيسية أمام استثمار مبادرة الحزام والطريق في أفغانستان، والوضع الخطير بشكل متزايد في باكستان المجاورة، التي تستضيف أكبر ممر للحزام والطريق وشهدت سلسلة من الهجمات على العمال الصينيين، جعلت بكين أكثر حساسية للمخاطر الأمنية.
وبينما تحاول طالبان تلميع صورتها لتظهر بمظهر القوة الأكثر اعتدالًا مما كانت عليه في ظل حكمها المتشدد الوحشي سابقًا، فإنها تظل كيانًا لا يمكن التنبؤ بأفعاله، على رأس دولة غير مستقرة، قال «رافايللو بانتوتشي» الزميل في كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة والمتخصص في شؤون أفغانستان، إن الصين تعرف هذا التاريخ، وهم يعلمون أنهم سيتعاملون مع حكومة لن يثقوا بها تمامًا، وإن هذا يجعل من غير المرجح التسرع إلى ضخ الاستثمارات فيها.
ويأتي هذا الأمر عقب زيارة وزير الخارجية الصيني «وانغ يي»، أفغانستان، نهاية مارس 2022، في زيارة تعد الأولى من نوعها منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم العام الماضي، حيث أكد أن بكين تعارض العقوبات السياسية والاقتصادية ضد أفغانستان، واصفًا زيارته لأفغانستان بأنها خطوة نحو تعزيز العلاقات الثنائية، مضيفًا أن الصين وأفغانستان تربطهما علاقات تاريخية ويريدان توسيعها وتقويتها.
وبحسب وكالة «باختار» الأفغانية، فإن «وانغ يي»، أكد أن سياسة الصين، هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الصيني قبل استضافة بكين للقاء بين جيران أفغانستان، حيث أعلن وزير خارجية الصين في أكتوبر الماضي، أن بلاده ستدعم حكومة طالبان في جهودها لإعادة بناء أفغانستان، مؤكدًا استعداد الصين لدعم مساعي الاستقرار وإعادة بناء البلاد.
للمزيد: تأثيرات قرار «طالبان» منع فتيات المرحلة الثانوية من العودة للتعليم





