الإخوان وصراع الأجنحة.. حظوظ جبهة «إسطنبول» تحسمها شبكة المصاهرة
لا يزال صراع الأجنحة محتدمًا داخل جماعة الإخوان؛ حتى الآن لم يحسم الأمر لصالح جبهة محمود حسين، الأمين العام السابق والمقيم في تركيا، أو جبهة إبراهيم منير، نائب المرشد العام ويقيم في إنجلترا، بيد أن التناحر بين أبناء الجماعة باتت تحكمه المصاهرة، التي يعتمدها الإخوان منذ أربعينيات القرن الماضي، ويعتبرونها وسيلة لترجيح كفة قيادات بعينها عن غيرهم.
وفي الآونة
الأخيرة، تواردت أنباء عن اتجاه جبهة «حسين» لحشد قواعد الجماعة، اعتمادًا على
صلات الدم والمصاهرة بهدف الحصول على تأييد مُعلن للأمين العام السابق، وتنحية نائب
المرشد والموالين له، إضافة إلى الدور المحوري الذي تلعبه نساء الجماعة في حشد
الأخوات، وإعلان تأييدهن لجبهة إسطنبول التي يقودها «حسين».
ربما يظن البعض
أن المصاهرة لا يمكن أن تحسم صراعات داخل الجماعة السياسية، لكن المتتبع لتاريخ
الإخوان يعلم جيدًا أن صلات الدم لم تكن يومًا متروكة للصدفة، أو حتى إنها ليست
ذات قيمة، إذ وصف علي عشماوي، آخر قادة التنظيم الخاص الذي أنشأه مؤسس الجماعة حسن
البنّا عام 1940، علاقات النسب والمصاهرة بين العناصر والقيادات بــ«الزواج
البيئي»، فقال في مذكراته المعنونة بـ«التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين»،
الصادر عام 2006 بعد انشقاقه عن الجماعة، إن تلك العلاقات هي التي تحافظ على بقاء
الأسرة الإخوانية، وتضمن الترابط بين أفرادها؛ لذا اعتبره «زواجًا بيئيًّا».
دستور المؤسس
في أربعينيات
القرن الماضي، اعتمد البّنا نظام المصاهرة والنسب بين أعضاء الجماعة الذين بايعوه
على السمع والطاعة، فكانت لكل أخٍ (وصف العضو بالجماعة)، أخت مهيئة سلفًا للخطبة
من ابن جماعتها، دون اعتراض أو نقاش وربما دون الرجوع لولي أمر؛ إذ يكفي أن يُبارك
زواجهما من قبل قيادات الجماعة.
وكانت المصاهرة
في مراحل الجماعة الأولى، تتم بهدف الحفاظ على أفراد الأسرة الإخوانية، ثم تحولت
إلى خطوة تنظيمية واقتصادية، دعمتها التحالفات التجارية بين أعضاء وقيادات
الجماعة، الذين قدموا أنفسهم فيما بعد كرجال أعمال يحمون اقتصاد الجماعة من
الانهيار، إضافة إلى إقحام زوجات القيادات أو أبنائهن فيما بعد في مجال السياسة؛
لإيهام الغرب أن الجماعة تتبع مبادئ إسلامية معتدلة، تتيح للمرأة بداخلها الوصول
للبرلمان والمناصب المختلفة.
وكانت انتصار عبد المنعم التي تصف نفسها بأنها أخت سابقة في الجماعة، قد
كشفت في سيرتها الذاتية «حكايتي مع الإخوان» الصادرة عام 2012م، عن بعض ما يدور في
الجماعة بشأن الزواج والنسب، إذ أكدت أن السيدات لا يُسمح لهن بالترقي داخل الجماعة
مهما كانت كفاءتهن أو مؤهلاتهن، فكل «زهرة» (الفتاة الإخوانية صغيرة السن) ليس لها
مصير إلا انتظار «شبل» (شباب الجماعة في مرحلة المراهقة) أن يتقدم لخطبتها ثم
يتزوجا، وتنتهي أي أحلام لها في تقلد أي
مناصب داخل الجماعة.
وتابعت: «في جميع الأحوال على الأخت أن ترضخ للكيفية التي يفسرون لها
بها الشرع دون نقاش، وهكذا تختزل العلاقة الزوجية على مفهوم واحد سلبي الاتجاه،
وهو طاعة المرأة للزوج سواء كان صالحًا أو طالحًا».
مصاهرة
مشروطة
كما لفتت «عبد المنعم» إلى أن المصاهرة تتم على حسب الدرجة داخل
الجماعة، فأعضاء مكتب الإرشاد يتزوجون فيما بينهم، أما القيادات فيختارون زوجاتهم
من بنات أو أخوات القيادات، وهكذا العناصر الأقل درجة.
وكان الدليل على تعنت الجماعة في مسألة الزواج والمصاهرة، قرارات
الفصل التي صدرت بحقِّ فتيات وشباب تزوجوا من خارج الجماعة عام 2014م، عقب سقوط حكم
الإخوان في مصر، بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث اتجه الشباب إلى الزواج من أبناء
وبنات التيار السلفي أو أي تيار آخر خشية الاعتقال، فتفاجؤوا بتجميد عضويتهم، وطردهم من الجماعة التي لم تبارك هذا النوع من الزيجات.
أيضًا استغلت بعض
القيادات فرصة وجودهم بالسجون، للاتفاق على المصاهرة عقب انتهاء العقوبة في
القضايا التي يحاكمون فيها، وكان أبرز الأمثلة على تلك الحالة، المرشد الأسبق
للجماعة، مهدي عاكف، ومحمود عزت، حينما اجتمع الاثنان في زنزانة واحدة خلال قضية
«تنظيم 65»، واتفق عاكف مع عزت على الزواج من أخت الثاني، والتي تزوجها «عاكف»
الذي كان يكبرها بربع قرن على الأقل.
وبحسب الكاتب ياسر ثابت، مؤلف كتاب «زمن
العائلة» الصادر عام 2014، فإن الولاء العشائري الذي حكمته
انتماءات الجماعة وعلاقات النسب والمصاهرة وشبكة المصالح، أغرق مصر في دوامةٍ لا
تنتهي من الأزمات، مشيرًا إلى أن الجماعة تتبنى فلسفة مفهوم العائلة ببراجماتية
سياسية واقتصادية لا تخطئها العين.
وأوضح المؤلف في كتابه أن الجمود أو الانغلاق الناتج عن المصاهرة هو آفة الكثير من التنظيمات السرية التي تجد أن انكفاءها على أفرادها هو سر قوتها؛ لذا نجدها ترفض دعاوى الإصلاح أو التغيير من الداخل، وتتخلص ممن يتحدث عن فضيلة التفكير أو ضرورة التغيير، وخطورة السرية أنها تورث الازدواجية بين السرية والعلنية، كما أنها تصبح مبررًا للاستبداد بالرأي والانفراد باتخاذ القرار تحت دعوى أن القيادة -أو العائلة الكبيرة- تعرف أكثر، فيتحول التنظيم إلى جهاز تواكلي يورث الاستبداد والخمول والركود.





