يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

مستقبل أوروبا في مواجهة التطرف والإرهاب

الأربعاء 27/يونيو/2018 - 09:50 ص
المرجع
أحمد لملوم
طباعة
أوروبا؛ حيث قامت الثورة الفرنسية التي مازالت أفكارها ومبادئها تلهم الشعوب الكادحة حتى يومنا هذا، والنهضة الصناعية التي دفعت بالاقتصاد العالمي لمستويات لم يكن متاحًا الوصول إليها؛ تواجه اليوم معضلات تفرض عليها اتخاذ قرارات مصيرية لضمان مستقبل مشرق.
مستقبل أوروبا في
ويُجمع المراقبون على صعوبة التحديات التي على القارة العجوز التعامل معها، فمن أزمة صعود التيار اليميني المتطرف واستغلاله، لأزمة اللاجئين لكسب المزيد من النفوذ السياسي؛ أملًا في الوصول للحكم، إلى زيادة خطر الجماعات الإرهابية التي تضع أوروبا نصب أعينها، مع توالي الهزائم العسكرية لها في مناطق الصراع في منطقة الشرق الأوسط.

ومع وجود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض، تنحصر خيارات أوروبا، فهي معركة تخوضها منفردةً دون دعم من الحليف الأمريكي، ولم تشهد أوروبا تحديات كهذه منذ الحرب العالمية الثانية، التي كانت تحتفل بمرور 75 عامًا على انتهائها قبل شهور قليلة.

مستقبل أوروبا في
الـ«بريكسيت» البريطاني
فاجأ البريطانيون الجميع، عندما فازت أصوات الداعمين للخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي جرى عام 2016، وكانت الحملة التي روجت تحقيق هذا الهدف، تُدار من قِبَل سياسيين من اليمين المتطرف، الذي يُعادي المهاجرين، وتعلو فيه النظرة العنصرية لكل ما هو مختلف.

وفي فبراير الماضي، حذر مارك رولي، مساعد قائد شرطة لندن، من ارتفاع نشاط اليمين المتطرف في بريطانيا، قائلًا: «التهديد الذي يُشكله اليمين المتطرف أكثر أهمية وتحديًا مما قد يظنه الرأي العام».

ولا يقتصر نشاط اليمين المتطرف في بريطانيا على الاحتجاجات وجرائم الكراهية؛ إذ قتل مسلح يميني السياسية البريطانية جو كوكس، قبل أسبوع من إجراء الاستفتاء على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وحظرت بريطانيا مجموعة العمل الوطني اليمينية، ومجموعتين منشقتين عنها بعد هذا الحادث؛ لتصبح أول منظمات يمينية متطرفة يحظر نشاطها منذ الأربعينيات.

كما دهس رجل يقود سيارة مصلين كانوا يغادرون مسجدًا في لندن عام 2017، بعد أن انتابته مشاعر كراهية ضد المسلمين؛ بسبب قراءة مواد يمينية متطرفة على الإنترنت، بحسب كلامه أثناء المحاكمة.

وتستهدف الجماعات الإرهابية بريطانيا منذ هجمات عام 2001 على الولايات المتحدة، فقد شنت هجمات انتحارية منسقة، استهدفت شبكة النقل العام بلندن في يوليو 2005؛ حيث انفجرت 3 قنابل في قطارات أنفاق منفصلة، وانفجرت قنبلة رابعة في حافلة نقل عام ذات طابقين، أسفرت عن مقتل 52 شخصًا وإصابة المئات.

كما تشهد العمليات الإرهابية في بريطانيا تطورات خطيرة في الآونة الأخيرة؛ إذ بدأت العناصر الإرهابية التخطيط لتنفيذ عمليات نوعية، مثل التي يحاكم بسببها شاب بريطاني يُدعى «نعيمور زكريا رحمن» من أنصار تنظيم داعش؛ بتهمة التخطيط لاغتيال رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بـ«قطع رأسها»، وتفجير نفسه.

هذا إضافة إلى خطر البريطانيين العائدين من العراق وسوريا، وتُقدر وزارة الداخلية البريطانية عدد من غادروا البلاد للسفر إلى مناطق سيطر عليها «داعش» في العراق وسوريا منذ 2012 بنحو 900 بريطاني، عاد أكثر من 40 في المائة منهم لبريطانيا مرة أخرى.
مستقبل أوروبا في
استهداف فرنسا
تعد فرنسا أكثر الدول الأوروبية استهدافًا من قبل التنظيمات الإرهابية، وكان أكبر الهجمات الإرهابية التي شهدتها فرنسا نوفمبر 2015، عندما قتل 130 شخصًا في هجمات متزامنة على مواقع عدة في العاصمة باريس، وتبقى فرنسا في حالة تأهب أمني قصوى منذ 2015، مع موجة الهجمات الإرهابية التي بدأت عام 2015، وقُتِل فيها حتى الآن أكثر من 240 شخصًا.

كما سافر نحو 600 فرنسي إلى سوريا والعراق؛ خلال الأعوام الماضية، مع انتشار ظاهرة سفر الأوروبيين؛ للانضمام إلى تنظيم «داعش» هناك، وتشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية الفرنسية إلى أن أجهزتها نجحت في إحباط 20 خطة إرهابية في العام الماضي.

وكانت الشرطة الفرنسية أحبطت هجومًا باستخدام سم الريسين الشهر الماضي، كان يُخطط لتنفيذه في باريس، فعثرت الشرطة في شقة طالب جامعي من أصول مصرية على سم الريسين، ومواد تصنيع عبوة ناسفة، ووجهت له تهمة التخطيط لتنفيذ هجوم بيولوجي.

ويعود استهداف فرنسا أكثر من الدول الأوروبية الأخرى؛ للدور التاريخي الذي لعبته؛ كونها رمزًا لليبرالية والعلمانية الغربية، حتى مع رؤية المتطرفين الإسلاميين الولايات المتحدة الأمريكية مصدرًا للانحطاط الأخلاقي، والاستغلال الاقتصادي، فهم يرون فرنسا قوةً ملحدةً، تُدافع عن القيم الغربية، مثل حرية التعبير والديمقراطية، وفي نظر الإرهابيين، تُحاول فرنسا فرض هذه القيم على العالم الإسلامي.

ويبث اليمين المتطرف الفرنسي رسائله مستغلًّا هذه العمليات الإرهابية التي تُثير غضب الفرنسيين من الحكومة الحالية، ويُحاول قادة اليمين المتطرف تحويل هذا الغضب والحنق إلى مكاسب سياسية؛ حيث فازت رئيسة «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة والمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية مارين لوبان، بمقعد في البرلمان الفرنسي للمرة الأولى الصيف الماضي.

مستقبل أوروبا في

ألمانيا واليمين المتطرف
فتحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أبواب بلادها أمام اللاجئين السوريين مع احتدام الصراع في وطنهم، وتُعدُّ ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية المستضيفة للاجئين السوريين بوجود قرابة مليون سوري على أراضيها.

لكن في الانتخابات البرلمانية الأخيرة كادت المستشارة تسلم مفاتيح حكم بلادها إلى اليمين المتطرف، بعد تمكن اليمين المتطرف للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية دخول البرلمان الألماني، وحصل حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني، على 90 مقعدًا من أصل 589 مقعدًا، ليحتل المرتبة الثالثة في القوى السياسيَّة الممثَّلَة في البرلمان.

وكثف اليمين المتطرف دعايته حول مخاطر وجود الأجانب في ألمانيا، لاسيما اللاجئون، كما بث رسائل تخويف للناخب الألماني من مستقبل سيكون فيه الألمان أقلية في وطنهم، واستغلوا حادثة التحرش التي وقعت في مدينة كولونيا في ليلة رأس السنة الجديدة 20162015، حين تلقَّت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرُّش والسرقة من قِبَل أشخاص ذوي ملامح شرق أوسطيَّة وشمال أفريقيَّة.

وفتحت الشرطة آنذاك أكثر من 1500 تحقيق؛ لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلَّا على عدد قليل من المشتبه فيهم، وتسبَّبَت الحادثة في موجة سخط، كانت تكبر ككرة الثلج مع كل حادثة إرهابية تقع في البلاد.

وكان الهجوم الأكثر ترويعًا حدث في ديسمبر 2016؛ فحين كان الألمان يُخطِّطُون كيف ومع مَنْ سوف يحتفلون بعيد الميلاد، كان التونسي، أنيس العامري، يُخطِّط لتنفيذ عملية دهس بشاحنة في سوق لبيع مستلزمات أعياد الميلاد في العاصمة الألمانيَّة، برلين؛ أسفرت عن مقتل 12 شخصًا، وإصابة 49 آخرين.

وتُحاول ألمانيا ومعها أوروبا مواجهة خطر الطرفين بكل الوسائل المتاحة، اليمين المتطرف من جهة، والجماعات الإرهابية من جهة أخرى، لكن تبقى الإجابة عن سؤال مَن الذي سينتصر في هذه الحرب التي بالتأكيد مستمرة لسنوات قادمة، مرهونة بمدى حنكة وذكاء كل طرف، وفاعلية الأدوات التي يستخدمها ضد الأطراف الأخرى.

"