تأثير التحولات السياسية على مصالح حزب الله في أمريكا اللاتينية
الأحد 16/يناير/2022 - 05:23 م

نهلة عبدالمنعم
في ظل التغيرات السياسية التي تطرأ على علاقات «حزب الله» في لبنان بحلفائه
في الخارج، هل تظل أمريكا اللاتينية ملاذًا آمنًا لمصالح الحزب، أم سيحمل عام 2022
تضييقًا جديدًا للمعاقل الاستراتيجية لتمويل عملياته؟.
عُرفت أمريكا اللاتينية بعلاقات واسعة مع إيران وذراعها العسكري حزب الله، إذ مثلت بعض دول القارة بما أفرزه تاريخها من صراعات واسعة، بيئة خصبة لنمو علاقات مشبوهة بين الحزب وتنظيمات إجرامية خارجة على القانون إلى جانب كون الأهداف الإيديولوجية عاملًا أكثر أهمية في الحفاظ على علاقات الحزب مع الحكومات اللاتينية.

تحولات استراتيجية في العلاقات
شكلت قرارات الحظر التي أقرتها بعض الدول ضد الجماعة المتطرفة تحولًا في العلاقة بين حكومات أمريكا اللاتينية وحزب الله، إذ قررت حكومة الأرجنتين حظر الحزب في يوليو 2019، كما أعلنت باراجوي حظر الحزب وأنشطته من البلاد في أغسطس 2019.
وتعطي قرارات الحظر، مؤشرًا حول تغيير السياسات اللاتينية تجاه الحزب كنتاج لتغير القوى الحاكمة في البلاد، ويمكن رؤية هذا التحول في السعي الحثيث لواشنطن نحو إدراج الحزب على لائحة الإرهاب في الأرجنتين إبان حكم اليسار، وذلك على خلفية اتهامات بضلوع عناصر حزب الله في تفجير المعبد اليهودي الذي وقع في مارس 1992، ولكن ظلت المطالبات خلال السنوات الماضية قيد المماطلة قبل أن تقر الحكومة في النهاية بإرهابية الحزب.
فيما أعربت البرازيل عن نيتها دراسة حظر حزب الله مثل جارتيها الإقليميتين، وظهرت بداية التحولات اللاتينية تجاه حزب الله بإعلان خطة (3+1) التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والأرجنتين وباراجوي كحلف متعاون ضد أنشطة إيران في القارة وكذلك الممارسات الإرهابية.
تغير التيارات الحاكمة في أمريكا الجنوبية ألقى بظلاله على طبيعة العلاقات مع الدول الحليفة والمناوئة، فمن جانبها شهدت الأرجنتين تراجعًا ملحوظًا لتيار اليسار مقابل صعود لليمين بلغ أوجه في الانتخابات النصفية لمجلس الشعب في نوفمبر 2021، والتي فاز فيها اليمين بأغلبية، وعبرت الانتخابات التشريعية عن مزاج شعبي يميل في صف اليمين وبالأخص اليمين المتطرف.
وفي البرازيل تُحكم البلاد بحكومة يمينية متطرفة يترأسها «جايير بولسونارو» الذي بلغت معتقداته اليمينية المتطرفة أشدها في معالجته ملف فيروس كورونا، إذ اتفق الرئيس مع المعتقدات المتطرفة حول مؤامرة صنع الفيروس وعدم جدوى لقاحاته حتى ضرب الوباء أرجاء البلاد وتأثرت المنظومة الصحية كليًّا.
وأعرب وزير دفاع كولومبيا، دييجو مولانو في منتصف نوفمبر 2021 عن مخاوفه من إضرار حزب الله بأمن واستقرار بلاده، فوفقًا للمعلومات التي أحيطت بتصريحات الوزير فإن حزب الله يشكل خطرًا على أمن الدبلوماسيين بالمنطقة عبر تقفي تحركاتهم، كما أشار دييجو إلى أن العلاقات بين الحزب وعصابات تجارة المخدرات بفنزويلا باتت مهددة للأمن القومي لبلاده.
ولم تكن تيارات اليمين واليمين المتطرف التي حكمت بعض الدول اللاتينية مؤخرًا، سببًا رئيسيًّا في تحول التوجه نحو حزب الله لجودة حكمها ولكن لتوافق المصالح بين التيارات المختلفة في هذا الإطار، فتيارات اليسار كان لديها توجه عدائي تجاه الولايات المتحدة معتبرة إياها دولة استعمارية.
وعلى هذا بنيت التوافقات بين الحكومات اللاتينية وإيران كمتنفس تجاري وسياسي لكلا الطرفين، ومع تحول الأنظمة تبددت الاتجاهات السابقة، إذ لا تحمل تيارات اليمين العداء ذاته للإدارة الأمريكية، كما أنهم يجدون فيها مساعدًا ماليًّا للخروج من عثراتهم الاقتصادية.

فنزويلا.. الطرف اللاتيني الأكثر تعاونًا مع حزب الله
لا تزال فنزويلا محتفظة بالحكم اليساري، ومبدية انفتاحًا نحو إيران وذراعها العسكري حزب الله، إذ تجد الدولتان في هذه العلاقة متنفسًا اقتصاديًّا يتجاوز التضييق الأمريكي على اقتصاديهما.
ودخلت كل من فنزويلا وإيران وواشنطن حربًا كلامية في مايو 2020 على خلفية إرسال إيران ناقلات نفط لفنزويلا لتتجاوز الحظر الأمريكي الذي فرض في يناير 2019 على شركة النفط الحكومية لديها «بتروليوس دي فنزويلا»، وأثر على استيرادها للقطع المستخدمة في عمليات استخراج النفط وتكريره، ما أسهم في حدوث أزمة اقتصادية بالبلاد.
ونتيجة للعلاقات الإيديولوجية والاقتصادية المستمرة بين الجانب الإيراني والفنزويلي دافعت الأولى عن قرارها بإرسال حاملات نفط للأخيرة بأن هذه تجارة دولية لا شأن للولايات المتحدة بها، ولكن الإدارة الأمريكية ترى في هذه التجارة أن ثمة شبهات للفساد والإرهاب، إذ تصرح واشنطن بأن النفط ينقل إلى فنزويلا مقابل الذهب الذي يستخرج من مناجمها وتسرقه إيران من الشعب برعاية الحكومتين للانفاق على الجماعات الإرهابية.

عوامل التغير السياسي ومستقبل مصالح حزب الله
من المرجح أن تؤثر التغيرات السياسية التي طرأت على حكومات القارة اللاتينية على مستقبل مصالح «حزب الله» في المنطقة، إذ تقول الباحثة في الملف اللاتيني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية «أمل مختار»: إن تغير المواقف تجاه الحزب وإيران بشكل عام تأثرت بصعود تيارات اليمين إلى الحكم منذ 2015.
وقالت الباحثة في تصريحات لـ«المرجع» إن الأمثلة على تأثير اليمين على مصالح حزب الله في القارة يظهر في موقف الأرجنتين من تصنيف الحزب، فعلى الرغم من الأدلة بتورط الحزب في تفجيرات المعبد اليهودي لم تتجه حكومة اليسار نحو إعلان الحزب جماعة إرهابية، ولكن صنفت الجماعة بالفعل عقب تحول الحكم.
كما تعتقد الباحثة أن الولايات المتحدة أكثر قدرة خلال الوقت الحالي على معاونة المنطقة اللاتينية للخروج من أزماتها الاقتصادية أكثر من إيران التي تعاني من عثرات داخلية ودولية متعددة.
وأضافت أن فنزويلا هي الدولة الأكثر تعاونًا مع الحزب والتي لا تزال على علاقة وطيدة بإيران، مشيرة إلى أن طهران تتربح من الذهب الفنزويلي وأن الأخيرة تعطيها الذهب المستخرج سرًا من المناجم لتتمكن ماليًّا من الاستمرار في الحكم، وترى الباحثة أن انهيار سوق النفط في فنزويلا أسهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وبالتالي سيؤثر ذلك على قدرتها في ضبط إيقاع الحكم في البلاد، ولذلك تجد في إيران متنفسًا اقتصاديًّا لها ويحمل ذات التوجه تجاه إيران.