الإرهاب في آسيا.. استغلال للأوضاع الاجتماعية ومواجهة بإستراتيجية 2030
لابد للإرهاب من بيئة حاضنة تساعده على التمدد والانتشار بين أفراد الشعوب، ولا توجد بيئة أكثر جودة لنمو الإرهاب مثل الفقر والظلم وانتشار البطالة وانخفاض مستويات الدخل بين المواطنين، حيث تزداد نسب ومعدلات التذمر والرفض بين صفوف المواطنين والسخط من أوضاعهم المعيشية، وهنا تستغل التنظيمات الإرهابية هذا السخط في مواجهة الأنظمة والدول عسكريًّا من ناحية، وإيهام المواطنين بقدرتهم على حل مشكلاتهم وتحويل حياتهم إلى نعيم.
الإرهاب وآسيا
على الرغم من أن القارة الآسيوية تمتلك خصائص متنوعة في دولها، مثل رأس المال الوفير في منطقة الخليج العربي، والقوة البشرية الهائلة في جنوب شرق آسيا، والنمو الاقتصادي الهائل في دول منطقة النمور الآسيوية، لكن ذلك لم يمنع الكثير من سكان القارة من البقاء في ظروف معيشية بالغة الصعوبة، من حيث الفقر وتراجع الخدمات اليومية والحياتية وغيرها، كما هو الحال في الهند وبنجلاديش ولبنان وغيرها.
وساهم ذلك في ظهور وانتشار التنظيمات الإرهابية في مختلف دول القارة، حيث نجح تنظيم «داعش» الإرهابي في استغلال الأوضاع المضطربة في سوريا والعراق، وسيطر على مناطق جغرافية واسعة في مناطق متجاورة بالدولتين، وعلى الرغم من نجاح التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في القضاء على دولة التنظيم المزعومة، لكنه ما زال يحتفظ بعدد من الجيوب التي تسعى للعودة إلى العلن مرة أخرى.
كما أن سوريا كانت واحدة من كبرى الدول التي تحتضن تنظيمات إرهابية داخل أراضيها، خصوصًا بعد ما عرف باسم الثورة السورية، حيث ظهرت تنظيمات متطرفة مثل جيش النصرة، والجيش الثوري الحر، وصقور الشام، وجبهة تحرير سوريا، وغيرها من التنظيمات التي قاتلت الجيش العربي السوري وسيطرت على بعض المناطق الجغرافية في البلاد.
ولم يكن تنظيم «داعش» الإرهابي هو الوحيد الأبرز في القارة الصفراء، حيث توجد جماعة أبوسياف الإرهابية، التي انشقت عن جبهة مورو (جبهة التحرير الوطنية) في عام 1991، وذلك بعد أن أنشأها عبدالرزاق أبوبكر جنجلاني، زاعمًا أن الهدف من إنشائها في جزيرة مندناو جنوبي الفلبين هو إنشاء دولة إسلامية من الجزيرة ذات الأغلبية المسلمة.
واشتهرت الجماعة بتنفيذ عملية إرهابية واسعة النطاق، حيث قامت بعملية انتحارية في أغسطس 2020 أدت إلى مقتل 15 شخصًا وإصابة 74 آخرين بجروح، وفي عام 2019، قامت الحركة بتنفيذ عملية إرهابية ضد كنيسة كاثوليكية في جزيرة جولو، ما أدى إلى مقتل 21 شخصًا.
ولا يرتبط الإرهاب في القارة الصفراء بدين أو طائفة معينة، وهو ما أكدته جماعة «أوم شنريكو» اليابانية أو ما تعرف اختصارًا بطائف أوم، وتم إنشاؤها على يد شوكو أساهارا في 1984، ونفذت الطائفة واحدة من أبشع الجرائم الإرهابية في التاريخ عندما قامت بعملية تسميم مترو أنفاق طوكيو، كما قامت بقتل جماعة لعائلة المحامي ساكاموتو تسوتسومي.
ووفقًا لتقرير الإرهاب السنوي لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، الصادر في يناير 2020، فإن قارة آسيا شهدت 67% من حجم العمليات الإرهابية التي حدثت في قارات العالم كافة، كما أن القارة امتلكت نصيب الأسد من الضحايا، حيث جاءت نسبتهم من القارة الصفراء 68% من إجمالي عدد الضحايا الكلي.
آسيا والتنمية.. سلاح ضد الإرهاب
ارتفعت معدلات الأفراد العاملين في الأعمال الهامشية في منطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي، وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، إلى 173.7 مليون شخص في عام 2009 بعد ما كانت 5.4 مليون شخص في عام 2007، ما يعكس حجم الأزمة التي يمر بها الشباب في آسيا في دول تتجه بصورة أكبر من غيرها إلى ميكنة جميع مظاهر الحياة والاعتماد على التكنولوجيا بصورة واسعة النطاق.
إلا أن دول القارة ومؤسساتها لم تقف مكتوفة الأيدي، حيث عملت على تطوير حياة المواطنين بها، حيث أصدر بنك التنمية الآسيوي Asian Development Bank استراتيجية طويلة الأمد تحت مسمى «استراتيجية 2030»، والتي تم إطلاقها في يوليو من عام 2018، وذلك بهدف التعامل بصورة فعالة في مجال خفض معدلات الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي في قارة آسيا ومنطقة المحيط الهادي على حد سواء.
وركزت الاستراتيجية الجديدة على أولويات سبع وهي: معالجة الفقر، خفض معدلات انعدام المساواة، تسريع وتيرة تحقيق المساواة بين الجنسين، معالجة قضية تغير المناخ، الأمن الغذائي ودعم التنمية الريفية، تعزيز القدرات المؤسسية والحوكمة، دعم التعاون والتكامل الإقليميين.
وأوضح البنك أنه سوف يعمل على توسيع مشاركته في القطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة ودعم البنية التحتية والحماية المجتمعية بما يخدم عملية النمو الاقتصادي، وهو ما يضمن حصول الفقراء على الخدمات الأساسية في المجالات الرئيسية مثل الطاقة والنقل والمياه والصرف الصحي.
كما أوضح البنك أنه سوف يدعم الحوار والتعاون بين الشركاء ودول القارة بهدف حل النزاعات والخلافات الثنائية بصورة ودية، وأشار البنك في استراتيجيته إلى أنه سوف يعمل مع الدول الأكثر فقرًا والتي تعاني بصورة واضحة، وذلك خلال المرحلة الأولى التي تنتهي عام 2024، من خلال تحديد أولوية كل دولة والخدمات التي تحتاج إليها بصورة عاجلة كي يتم البدء في تنفيذها.
ويتضح أن البنك بدأ في التعامل مع الأسباب الفعلية المؤدية إلى ظهور وانتشار الفكر والتنظيمات الإرهابية في دول القارة، حيث إن القضاء على الفقر وزيادة الوعي يمكن أن يساهم بصورة فعالة في زيادة مجابهة المجتمعات للأفكار المتطرفة، وهو ما يخفض عدد العمليات الإرهابية التي تحدث في القارة، ويساهم في الحفاظ على العنصر البشري الذي يقع ضحية الهجمات الدموية التي تنفذها هذه الجماعات المتطرفة.





