الطريق إلى سقوط الإخوان.. باعوا الوهم للتونسيين والشعب قلب عليهم الطاولة

في أقل من نصف العام تمكن الرئيس التونسي قيس سعيد من وضع حد للهيمنة السياسية التي فرضتها حركة النهضة (جناح الإخوان في تونس) منذ ما يزيد على 11 عامًا، على المشهد السياسي التونسي حتى أصبحت القوى السياسية الوحيدة في البلاد.

ومع تردي الأوضاع الاقتصادي وفشل الحكومة والبرلمان في إدارة المشهد الطبي عقب تفشي فيروس كورونا بين التونسيين، كان على الرئيس التونسي اتخاذ قرارات استثنائية تليق بوضع مترد على أغلب المستويات.
العصر الذهبي لبيع الوهم
عاشت حركة النهضة الإخوانية عصرها الذهبي عندما عاد زعيمها راشد الغنوشي من فرنسا مع انتصار الثورة التونسية في 2011، ومنذ دخول الغنوشي الأراضي التونسية، وأصبحت النهضة القوة الأولى في المشهد السياسي.
استمرت الحركة في لعب دور الفصيل المستنير الذي يدفع نحو المصلحة العليا، إلا أن الأيام كشفت عكس ذلك، إذ فشلت الحركة الإخوانية في تحقيق أي شكل من أشكال النهضة على مدار 11 عامًا، بل أن الأوضاع زادت سوء بفعل مشاحنات سياسية انشغلت بها الحركة عن إحداث نقلة نوعية في حياة المواطنين.
وعلى خلفية صدمة التونسيين من أسلوب إدارة النهضة وتأكدهم من خلو مشروعاتها من كافة الأحلام التي كانوا يبيعونها للناس عن رخاء منتظر حال ما وصلت إلى السلطة، تشبع التونسيون بطاقة غضب ضد الحركة كانت كفيلة للإطاحة بالبرلمان الذي يعني لهم كل شيء.

قيس سعيد وتحريك المشهد
بالتزامن مع طاقة الغضب الشعبية كان حضور الرئيس التونسي قيس سعيد، يصنع معطيات جديدة مساعدة لفكرة التخلص من هيمنة الإخوان.
مرت علاقة سعيد بالنهضة بالعديد من المراحل، والبداية كانت مع تقديم النهضة لسعيد على إنه الرئيس الإسلامي، صانعة حوله كل ما يثبت رؤيتها، من خطاب موحد انتشر على لسان أنصارها في الداخل والخارج يبشر بعصر ذهبي للإخوان في عهد الرئيس الجديد.
في المقابل التزم سعيد الصمت، مفضلًا العمل مع كافة الأطراف السياسية بما فيها النهضة، إلا أن الأمور شهدت تحولًا ملحوظًا مع اندلاع الأحداث الليبية التي انطلقت مع نهاية 2019، واستمرت حتى منتصف 2020، واشتبك فيها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر مع الميليشيات المسلحة غرب البلاد لاستعادة العاصمة منهم.
ومع الدعم الكبير الذي وفرته النهضة لهذه الميليشيات للحد الذي ورط الدولة التونسية والبرلمان في دعم الإرهاب بليبيا أعلن الرئيس التونسي رفضه لهذا النهج، ومن هنا بدأت الخلافات بين النهضة وسعيد.
حاولت جماعة الإخوان السيطرة على سعيد لإملاء المواقف عليه ومن ثم لدفعه نحو تبني نفس موقفها من الأحداث الليبية، إلا أنه رفض مؤكدًا رفضه لدعم الميليشيات المسلحة.
ليس ذلك فقط، بل اتجه الرئيس إلى زيارة فرنسا التي كانت تحسب آنذاك على صف الجيش الوطني الليبي، مؤكدًا من باريس أن شرعية حكومة الوفاق ما هي إلا شرعية مؤقتة، داعيًا الليبيين إلى كتابة دستور جديد.
واعتبرت هذه التصريحات صادمة لفصيل الإسلام السياسي بشكل عام والنهضة بشكل خاص، إذ بدا بها قيس سعيد خارجًا عن طوعها.
استمرار المشاحنات
حاولت النهضة كثيرًا استعادة الرئيس إلى جانبها، إلا أنها تأكدت من استحالة ذلك مع حلول نهاية 2020، وقتها خرج التونسيون إلى الشارع يطالبون بسقوط السلطة السياسية في ذكرى الثورة التونسية.
ومنذ اللحظة التي تظاهر فيها الشارع ضد النهضة محملا قيادتها المسؤولية دخل الرئيس والنهضة في صراع جديد على الصلاحيات، فبينما حاولت النهضة تقليص صلاحيات الرئيس معززة النظام البرلماني، دافع سعيد نحو النظام الرئاسي، متوعدًا بمحاسبة الفسدة من السياسيين.
واستمر السجال والمشاحنات بين الطرفين، فمرة يتوعد الرئيس ما يسميهم الفاسدين بالتعقب حتى لو توافرت لهم الحصانة، ومرة ترد النهضة بأن الرئيس يمارس ديكتاتورية.

كورونا وتبعاتها
كل ذلك كان يحدث والوضع الاقتصادي للمواطنين يشهد تدنيًا كبيرًا، فبفعل الوضع الاقتصادي غير المستقر هجرت الاستثمارات الأجنبية السوق التونسية، لا سيما مع تدهور أوضاع السياحة، الأمور التي تسبب في اتساع شريحة العاطلين، وتدني معيشة العاملين.
ولأن ذلك تناقض تمامًا مع طموحات الشعب التونسي في 2011، فكان التونسيون يخرجون من وقت لآخر محملين النهضة مسؤولين هذا الفشل في الوقت نفسه كان الرئيس قيس سعيد يتبع خطابًا سياسيًّا داعمًا لمطالب الشارع، الأمر الذي ساهم في توسعة شعبيته، وأخرجته من دائرة المطلوب رحيلهم.
وبالتزامن مع كل ذلك سقطت تونس في هوة كورونا، إذ شهدت البلاد منذ مايو الماضي ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المصابين بفيروس كورونا. وبدلًا من أن تحاول الحكومة والبرلمان السيطرة على المشهد، تخلى كل منهما عن دورهما، الأمر الذي أدى لتفشي الفيروس بشكل واسع.
لم تكتف النهضة بذلك، بل ذهبت بعيدًا عندما طالبت أصوات منها في وقت تفشي الفيروس بتعجيل تعويض سجناء فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وأغلبهم من أنصارها، الأمر الذي قلّب المجتمع التونسي عليها.
واتهم التونسيون النهضة بأنها لم تقم فقط بدورها بل تسعى للاستيلاء على أموالهم أيضًا لإرضاء أنصارها.
في نفس التوقيت، كان سعيد يُجري اتصالات دبلوماسية للحصول على مساعدات طبية ولقاحات من دول عربية وأوروبية لإنقاذ المشهد الطبي، مما ساعده أن يظهر على إنه بطل الأزمة.
ولأن سعيد كان يعمل منفردًا فتورطت حكومة هشام المشيشي المقالة في كارثة أول أيام عيد الأضحى الفائت، إذ دعا وزير الصحة المواطنين إلى مراكز التلقيح لتلقي لقاح كورونا، الأمر الذي حدث دون ترتيب، ما أسفر عن تزاحم المواطنين والمشاجرات.
وردًّا على ذلك أقال المشيشي وزير الصحة، فيما تحدث ساسة تونسيون عن وقوف النهضة وراء هذه الواقعة للإطاحة بالوزير المعزول للقدوم بوزير الصحة المحسوب على النهضة.
ولقطع الطريق على ذلك، وكّل الرئيس التونسي مسؤولية الملف الطبي إلى إدارة الصحة بالجيش، ومنذ تلك اللحظة وبدأ الرئيس سلسلة القرارات التي انتهت إلى تجميد البرلمان وإقالة الحكومة.
للمزيد.. الجيش التونسي في الميدان.. قيس سعيد يقطع الطريق على النهضة في أزمة كورونا