الجهاد الإلكتروني ما بين تنظيم داعش الإرهابي والولايات المتحدة الأمريكية

سعت التنظيمات الإرهابية إلى استغلال جميع الأدوات المتاحة لديها للانتشار بين صفوف الأفراد في مختلف دول العالم، هادفة من وراء ذلك إلى نشر أفكارها في المقام الأول ثم جذب المزيد من الأفراد للقتال داخل صفوفها والخدمة بها بعد خداعهم، وكانت الوسائل التكنولوجية على رأس هذه الأدوات التي سعت التنظيمات الإرهابية بشدة لاستخدامها، على الرغم من معارضة كبرى الدول لهذا التوجه وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وحاولت الكثير من الدراسات التركيز على هذه المواجهة التي تدور في الفضاء الإلكتروني، ومنها دراسة بعنوان «الجهاد الإلكتروني: دراسة لتنظيم داعش، واستراتيجية الولايات المتحدة لمواجهتها»، والتي قامت بها الباحثة إنجي محمد، في مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الصادرة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في أبريل 2021.

وأشارت الدراسة إلى أن تفوق تنظيم داعش إعلاميًّا يرجع إلى اعتباره الإعلام ساحة قتال أخرى بالنسبة له، وأن هذه المنصات الإعلامية الإلكترونية التابعة له هي مصدر للسلطة والقوة، ومن ضمن أبرز المنصات الرقمية التي تبث أخبار التنظيم الإرهابي مؤسسة آفاق، الفرقان، الأشهاد، الوعد، البتار، الحياة، الصمود الغريب، حفيدات عائشة، شرق أفريقيا، ترجمان الأساورتي.
وأوضحت الدراسة أنه بعد تحليل المحتوى الإعلامي لتنظيم داعش الإرهابي، اتضح أن التنظيم يعتمد على نوعين من الرسائل الموجهة إلى الجمهور، وذلك لتتلاءم مع الجمهور المستهدف، وهما؛ الرسائل الإيجابية التطمينية، والرسائل العنيفة الترهيبية.
أما الرسائل الإيجابية التطمينية، فقد استهدفت السكان الموجودين في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش الإرهابي مثل مدينة الرقة على سبيل المثال، وجاءت نسبة 25% من هذه الرسائل مركزة على التأكيد على الخدمات التي يقدمها التنظيم الإرهابي للمواطنين مثل توفير الخدمات الأساسية والغذاء والسكن، وقدرته على تحقيق العدل وتوفير الأمان، بينما تضمنت باقي الرسائل فيديوهات لشباب حسن المظهر من مختلف دول العالم يطالبون سكان المدينة بضرورة الانضمام للتنظيم الإرهابي.
بينما ركزت الرسائل العنيفة والترهيبية التي قدمها التنظيم الإرهابي لمختلف الأفراد حول العالم على الإطار العنيف ذي الشكل المسرحي، بما يسهل من تقبل الأفراد في العالم للأحداث العنيفة التي يقدمها التنظيم كأنها جزء من ألعاب الفيديو أو الأفلام والمسلسلات التي يشاهدونها، وركز التنظيم الإرهابي على أن تكون خاتمة هذه الرسائل العنيفة موضحة لانتصار مقاتليه.

ولم يكتف التنظيم الإرهابي وفقًا للدراسة بالتركيز على الجمهور المستهدف في الدول العربية كما فعل تنظيم القاعدة الإرهابي، ولكنه عمد إلى مخاطبة المتلقي الأجنبي، وخصوصًا الأوروبي وهو ما مكنه من استقطاب عدد كبير من الإرهابيين والمتعاطفين من الدول الأوروبية بعد أن ركز على مخاطبة اللاوعي لديهم.
وأشارت الدراسة إلى أن مصطلح الجهاد الإلكتروني Cyber Jihad قد أضحى مستخدمًا بكثرة بعد عام 2011، وذلك بعد أن كثفت الجماعات الإرهابية من معدلات نشاطها على شبكة الإنترنت.
ومع زيادة الهجوم على الحسابات الإلكترونية التي يقدمها التنظيم الإرهابي، زادت الهجمات الإلكترونية المقدمة ضد تنظيم داعش، خصوصًا في الفترة من 2015 إلى 2018، وهو ما واجهه تنظيم داعش بمرونة كبيرة، سواء في التركيز على تطبيقات تواصل اجتماعية متنوعة مثل تيليجرام، أو نشر المواد عبر العديد من عناوين URL، أو ما يعرف بالروابط الانغماسية في إشارة إلى المقاتلين الانغماسيين، وهي مرتبطة بعدد من الأنظمة الأساسية للتخفي من المراقبة الإلكترونية وضمان عدم حذف هذه المواد.
وأشارت الدراسة إلى أن تنظيم داعش الإرهابي قام باستغلال وسائل الإعلام الإلكترونية التابعة له في حث الذئاب المنفردة المؤمنة بأفكاره على القيام بعمليات إرهابية في بلدانهم الأصلية، وظهر ذلك في إصدار مجلة الرمية في صيف عام 2016، والتي ركزت على حث أتباع التنظيم في الدول الأوروبية على تنفيذ هجمات منفردة ضد الأهداف السهلة، والتي وصفتها المجلة بأنها ممثلة في ركاب المواصلات العامة والشباب الذين يلعبون في المتنزهات والمسنين.
وأشارت تقارير المكتب الأوروبي للشرطة يوروبول حول الواقع الاجتماعي والديموجرافي لهجمات الذئاب المنفردة في دول الاتحاد الاوروبي إلى أن 73% من منفذي هذه العمليات كانوا من مواطني البلد الذي تعرض لهذه العمليات الإرهابية، و14% ممن يتمتعون بإقامة دائمة في البلد الذي نفذت على أرضه هذه العمليات، ولم تتجاوز نسبة اللاجئين بين المنفذين 5%، و6% ممن تسللوا بصورة غير شرعية إلى البلد المعني.
ومع هذا التطور الكبير لتنظيم داعش الإرهابي في استغلال الوسائل التكنولوجية، سعت الدول إلى مواجهة هذا الأمر وعلى رأسها وزارة الدفاع الأمريكية، التي سعت إلى دمج العمليات الإلكترونية مع قدراتها العسكرية التقليدية والتخطيط الاستراتيجي للعمليات العسكرية، حيث شكل فرق إلكترونية متكاملة ذات قيادة إقليمية داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية، واستغلت أمريكا قانون باتريوت USA Patriot Act الصادر في عام 2001 عقب أحداث 11 سبتمبر.
وتم تعديل القانون المذكور بحيث وسع من سلطات الحكومة الفيدرالية في مجال مكافحة الإرهاب، وخصوصًا في نقطة المراقبة الإلكترونية للاتصالات واعتراضها لتيسير القبض على الإرهابيين، كما احتوى القانون على أحكام خاصة بتوثيق المعاملات المالية بهدف مكافحة غسيل الأموال، وعرقلة تمويل التنظيمات الإرهابية.

كما أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على التعاون مع التحالف الدولي ضد تنظيم داعش بهدف تقديم قوة رائدة للحرب الإلكترونية، ووفقًا للجنرال ستيفن تاونسند، القائد السابق للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، أنهم شاركوا سرًا في شن سلسلة من الهجمات الإلكترونية ضد تنظيم داعش الإرهابي في عام 2017، وذلك تحت مسمى قوة المهام المشتركة Joint Task Force Ares، ونجحت الحملة في القضاء على أجهزة وأنظمة الكمبيوتر الخاصة بتنظيم داعش في العراق، وأجبرت أفراد التنظم على ترك مواقعهم القيادية ذات الثقل، وهو ما سهل من عملية استهدافهم.
كما أقدمت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على جعل الأمن الإلكتروني جزءًا أساسيًّا من أولويات الأمن الداخلي لبلاده، حيث أسس المركز الوطني لحماية البنية التحتية National Infrastructure Planning Center، ومراكز تحليل وتبادل المعلومات Information Sharing and Analysis Centers ومكتب ضمان البنية التحتية الحيوية Critical Infrastructure Assurance Office.
واختتمت الدراسة؛ أن الحرب على تنظيم داعش الإرهابي دفعت البنتاجون إلى إعداد قواته لبدء ما يسمى «العمليات متعددة المجالات»، بهدف دمج العمليات الإلكترونية جنبًا إلى جنب مع كل صور العمليات العسكرية الأخرى.