يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

«زواج المتعة» بين تنظيم القاعدة والنظام الإيراني

الجمعة 29/يونيو/2018 - 01:05 ص
المرجع
شيماء حفظي
طباعة
اعترفت إيران أخيرًا بمساعدتها تنظيم القاعدة في تنفيذ هجمات 11 سبتمبر، لكن العلاقة بين أكثر البلاد الراعية للإرهاب والتنظيم لم تقف عند هذا الحد، حتى وصفتها صحيفة لوموند الفرنسية بأنها «زواج متعة».

في تقرير بعنوان Al-Qaida - Iran: des liaisons dangereuses نشرته صحيفة لوموند، في ديسمبر 2017، فضح علاقة طهران بالقاعدة، وتعاونها المستمر معه، حتى وصل الترابط إلى «مواثيق عدم اعتداء بين الطرفين» -على حد تعبير مدير (CIA) مايك بومبيو- خلال حديث له أمام مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية بواشنطن بحسب الصحيفة.

وفي الوقت الذي أظهرت فيه الولايات المتحدة وثائق أسامة بن لادن، التي تكشف أسرار التنظيم، وصف نيد برايس، المتحدث السابق باسم المجلس الأمريكي الوطني للأمن، في عهد باراك أوباما، تلك الوثائق بأنها «تعكس الصورة المعهودة لزواج المتعة بين القاعدة وإيران، الذي ينقطع أحيانًا وقت الشدة»، بحسب اللوموند.

ووفقًا للتقرير، فإن إيران عرضت عام 2003، أي بعد الغزو الأمريكي للعراق -مرارًا وتكرارًا- تسليم عناصر من القاعدة، بمن فيهم سعد، الابن الأكبر لابن لادن، للأمريكيين مقابل تسلم عناصر من مجاهدي خلق، لكن الأمريكيين رفضوا؛ إذْ كان جورج دبليو بوش، قد وضع إيران ضمن «محور الشر».

كما أشارت الصحيفة، إلى أن طهران غضت الطرف لسنوات، عن مرور مقاتلي القاعدة عبر أراضيها؛ للقتال ضد أمريكا في العراق، وضد الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران نفسها.

وضربت الصحيفة أمثلة على العلاقات المتداخلة بين طهران والقاعدة، التي لم تنتهِ بمقتل «بن لادن»؛ إذْ أطلقت في العام 2015 سراح قائدين من التنظيم هما، أبوخير المصري، والأردني أبوالقسام، مقابل إطلاق سراح دبلوماسي إيراني كان مختطفًا في اليمن، ليظهرا بعد ذلك في سوريا.

وقال كول بانزيل، الباحث في جامعة برينستاون، صاحب كتاب (أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية): إنه من خلال إدخال عناصر القاعدة للقتال في العراق، ربما أرادت إيران نزع الشرعية عن المعارضة السورية في أعين الغرب. بحسب الصحيفة.

التحالف الشيعي السني
يلعب نظام ولاية الفقيه الشيعي في إيران، لعبة «الدعم مقابل المصلحة» مع التنظيمات الإرهابية ذات الخلفية «السُّنِّية»، بما فيها الجماعة الإسلامية وتنظيم القاعدة، خاصةً أن تلك العلاقة لا يمكن ربطها بفترة زمنية محددة، أو اعتبارها موسمية.

نهلت أيديولوجيا نظام «الخميني» من مدرسة سيد قطب –المنظّر الإخواني- الذي يعتبر منبع الفكر الجهادي، الذي تبنته تنظيمات شيعية موالية لطهران، مثل حزب الله في لبنان، وميليشياته في العراق وسوريا وأفغانستان واليمن؛ ما يجعل العلاقة بين نظام طهران الشيعي، والتنظيمات الإرهابية دائمة.

ومثالًا على علاقة إيران والميليشيات التابعة لها بالتنظيمات الإرهابية، أشارت صحيفة «صانداي تايمز»، إلى امتلاكها كل أوراق الجماعات المتطرفة، حيث يستخدم قاسم سليماني، (جنرال إيراني وقائد وحدة فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، والمسؤولة أساسًا عن العمليات العسكرية والعمليات السرية، خارج الحدود الإقليمية)، علاقاته مع تنظيم القاعدة للعب على جميع أطراف الصراع؛ لإبقاء إيران في الصدارة.

وقالت تقارير إعلامية مبنية على الوثائق المسربة من مخبأ «بن لادن»، وتقارير استخباراتية أمريكية: إن «سليماني»، تولى أمور العلاقة مع القاعدة، وإن قادة عسكريين بالتنظيم أقاموا في طهران حتى عام 2015، عندما أرسل «سليماني» خمسة منهم إلى دمشق، من بينهم محمد المصري، للاتصال بمقاتلين وقادة من داعش، لتشجيعهم على الانشقاق وتوحيد القاعدة بفلول داعش.

ومن بين 19 ورقة من وثائق «بن لادن»، حوت أسرار العلاقة بين التنظيم وطهران، ذكرت وثيقة، «أن أجهزة المخابرات الإيرانية، في بعض الحالات، سهلت إصدار تأشيرات لعناصر القاعدة المكلفين بتنفيذ عمليات، وفي الوقت نفسه آوت مجاميع أخرى، وأن أجهزة الاستخبارات الإيرانية وافقت على تزويد عملاء القاعدة بتأشيرات سفر وتسهيلات، وإيواء أعضاء آخرين في تنظيم القاعدة».

إقامة قادة من تنظيم القاعدة في طهران، أكده قرار الولايات المتحدة الأمريكية، في 2016، بفرض عقوبات على 3 من قياديي التنظيم مقيمين هناك، و«مسؤولين عن تحويلات الأموال التابعة لتنظيم القاعدة في الشرق الأوسط، وكذا تنظيم حركة المتطرفين من بعض دول آسيا إلى الشرق الأوسط».

القادة هم: فيصل جاسم محمد العمري الخالدي، مسؤول أعلى في «القاعدة» وكان أميرًا لإحدى كتائبها، وحلقة وصل بين مجلس الشورى في «القاعدة» وفرع في حركة «طالبان باكستان»، ويزرا محمد إبراهيم بيومي، عضو في التنظيم منذ العام 2006 ويقيم في إيران منذ 2014، ووفقًا لبيان لوزارة الخزانة الأمريكية، فإن «بيومي»، جمع تبرعات من إيران وأرسلها لتنظيم جبهة النصرة وهو فرع القاعدة في سوريا.

كما شملت العقوبات أبوبكر محمد محمد غمين (مسؤول التمويل والأمور التنظيمية لعناصر القاعدة الموجودين في إيران)، الذي كان يعمل ضمن جهاز الاستخبارات التابع للقاعدة، قبل انتقاله من باكستان إلى إيران.

تمويل وتخطيط مشترك
ووفقًا للوثائق التي أعلنتها أمريكا، «ففي خطاب عام 2007 بعنوان (إلى كارم)، شرح «بن لادن» مبررات لعدم الهجوم على إيران، وقال فيها: «إيران هي شرياننا الرئيسي الذي يمدنا بالأموال والرجال وقنوات الاتصال، إضافة إلى مسألة الرهائن، لا يوجد ما يستوجب الحرب مع إيران إلا إذا اضطررت إلى ذلك».

ومع ظهور قضية دعم إيران لتنظيم القاعدة، وظهور دعاوى قضائية ضد نظام طهران –قُضي فيها بتغريم إيران 6 مليارات دولار فيما بعد– نشرت صحيفة الشرق الأوسط، 6 وثائق سرية، تثبت تسهيل انتقال عملاء القاعدة إلى معسكرات التدريب في أفغانستان، وهو ما كان ضروريًّا لتنفيذ عملية 11 سبتمبر، واستمرار إيران في تقديم دعم مادي إلى «القاعدة»، بعد وقوع الأحداث، وكونها ملاذًا آمنًا لقيادات التنظيم.

وأظهرت الوثائق أن التعاون بين التنظيم وإيران في التخطيط المشترك للعمليات، يعود إلى اجتماع حضره «بن لادن» زعيم القاعدة السابق، وأيمن الظواهري، الزعيم الحالي للتنظيم مع عماد مغنية ومسؤولين إيرانيين، عُقد في الخرطوم عام 1993، لإقامة تحالف للتعاون المشترك ودعم الإرهاب.

وفي نوفمبر 1995، بدأ القاعدة تنفيذ الأساليب القتالية لحزب الله اللبناني –الموالي لإيران- التي تدرب عليها على يد عناصر ميليشياته، وظهر ذلك في تفجير مكاتب البعثة الأمريكية لتدريب الحرس الوطني السعودي في الرياض، الذي أسفر آنذاك عن مقتل 5 أمريكيين وهنديين وجرح 60 آخرين.

وبحسب ما قاله محمد علي أبوالسعود، الرقيب السابق بالجيش الأمريكي، العضو في تنظيم القاعدة، أحد المتهمين في الهجمات على سفارتي الولايات المتحدة لدى كينيا وتنزانيا، فإن إيران دفعت للظواهري مليوني دولار، مقابل إمدادها بمعلومات عن خطة مصر والإمارات؛ للسيطرة على الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، لكن إيران ساعدت أيضًا في تدريب عناصر من تنظيم الجهاد، على محاولة انقلاب عسكري في مصر عام 1990، لكن تلك المحاولة لم تُنفذ.

تدهور «القاعدة» وصعود «داعش»
منذ أعلن تنظيم داعش وجوده في 2014، لفت الانتباه، بل إنه أسهم في تراجع دور القاعدة، وصار يهدد وجود التنظيم في مناطق نفوذه، حتى بلد منشئه الأصلي، لكن ذلك الأمر لم يؤثر على علاقة تنظيم «بن لادن» ونظام إيران.

وفي محاولة لإحياء التنظيم، في ظل حالة التدهور التي يمر بها داعش في سوريا والعراق، نشرت صحيفة «صانداي تايمز»، تقريرًا، قالت فيه: إن إيران تعمل على إعادة تأهيل فلول عناصر «داعش»، الذي يوشك على الانتهاء تحت ضربات التحالف الدولي، لضمهم للقاعدة.

«تنسق طهران مع قادة عسكريين من القاعدة، سافروا إلى دمشق؛ من أجل تجميع صفوف مقاتلي داعش، وتأسيس تنظيم «قاعدة جديد» يشبه في ثقافته فيلق القدس وحزب الله». بحسب التقرير.

وتحاول إيران -وسط مخاوف من إحياء تنظيم القاعدة- استغلال المنظمات الإرهابية لتوسيع نفوذ نظام ولاية الفقيه في المنطقة.

مستقبل العلاقة بين القاعدة وإيران 
لا يمكن لإيران أن تتخلى عن دعمها لتنظيم القاعدة -خاصةً أنهما استطاعا تخطي الخلاف الأيديولوجي بينهما؛ من أجل مصلحة مشتركة- وهو الرأي الذي يدعمه دانيال بايمان، الأستاذ في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، ومدير الأبحاث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمؤسسة بروكينجز.

يقول دانيال بايمان، في مقال نشر في 2012 بعنوان، Unlikely alliance Iran’s secretive relationship with Al- Qaeda (تحالف مستبعد: علاقة إيران السرية بتنظيم القاعدة): إن وجود عناصر تنظيم القاعدة في إيران تمنحها قوة تفاوضية، خاصةً في علاقتها مع الولايات المتحدة، فتستطيع تسهيل انتقال هذه العناصر إلى العراق أو أفغانستان، أو أن تضيق الخناق عليهم، إذا ما أرادت ذلك تبعًا لمسار المفاوضات مع الولايات المتحدة.

وأضاف أن إيران يمكنها استغلال علاقتها بالقاعدة، في القيام بعمليات ضد بعض الدول، في حال توتر العلاقات فيما بينها، وعلى رأسها السعودية، وذلك من خلال التعاون مع الجماعات المناهضة للنظام السياسي، إضافة إلى أن توفير دعم لوجستي للقاعدة وملاذ آمن لعناصرها، مكّن إيران من حماية نفسها من أي هجمات محتملة يقوم بها التنظيم داخل الأراضي الإيرانية.

كما أشارت «لوموند» في تقريرها، إلى استمرارية العلاقة بين القاعدة وإيران، فقالت: «إذا كان زواج المتعة بين طهران والجهاديين ينقطع في بعض الأحيان، فإن طلاقهما لم يظهر بعد في الأفق».

"