حزب النهضة الطاجيكي.. طريق تمرير أفكار «الإخوان» لدول آسيا
الثلاثاء 26/يونيو/2018 - 03:03 م

مصطفى صلاح
في 1973، أسس "عبدالله نوري" حزب النهضة في طاجيكستان، وتولى
"نوري" قيادة الحزب طوال سنوات عمله السري منذ عام 1973 أي منذ نشأته،
وبعد وفاة مؤسس الحزب 2006، خلفه "محيي الدين كبيري" الذي مازال يتزعم
رئاسة النهضة حتى الآن.

أُسِّسَ الحزب على أفكار وأهداف ومبادئ تنظيم جماعة الإخوان، مستوحيًا منهجه
من كتب حسن البنَّا (مؤسس الجماعة 1928)، وسيد قطب (مفكر ومُنَظِّر الجماعة)، إلى
جانب مؤلفات مؤسس "الجماعة الإسلاميَّة" في باكستان "أبوالأعلى
المودودي".
الحزب وريث حزب
النهضة الإسلامي الذي أُسِّسَ في عموم الاتحاد السوفيتي عام 1989، ليكون الحزب
الإسلامي الأول والوحيد الذي شَكَّل مَظَلَّة لعمل الحركة الإسلاميَّة.
ويُعد حزب النهضة
الإسلامية في طاجيكستان، هو الحزب الإسلامي الوحيد المرخص له منذ العام 1997، بعد
اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والمعارضة في 1997، الذي تم توقيعه في روسيا،
ويعمل بشكل شرعي في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق (آسيا الوسطى) بعد أن أنشأت
الحركة الإسلامية في طاجيكستان تنظيمًا سريًّا ضمن أقوى دولة أمنيَّة في العالم،
لاسيما بين جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، كما أُدمج مقاتلو حزب النهضة في الجيش
الطاجيكي بناءً على اتفاق المصالحة السالف ذكره.
ويصنف
"النهضة" على أنه من أكبر أحزاب المعارضة في طاجيكستان في مواجهة حكومة
"إمام علي رحمون"، الذي يحكم هذا البلد في آسيا الوسطى منذ 22 عامًا،
على رأس حزب الشعب الديمقراطي.
وقد حظي
"النهضة" بتمثيل في البرلمان خلال الدورات البرلمانية الثلاث الماضية،
(2000-2005-2010) إلا أنه في انتخابات 2015 لم يحظَ بأي مقعدٍ، قبل أن تقرر المحكمة
العليا تصنيفه جماعة إرهابيَّة.

طاجيكستان والإسلام السياسي
على الرغم من أن حزب
النهضة هو الحزب الإسلامي الرسمي الوحيد في آسيا الوسطى، فإنه يتمتع بحرية الحركة
والنشاط، في ظل نظام علماني يمنع قيام أحزاب دينيَّة، خاصة بعد التوترات التي
شهدتها البلاد من احتدام المواجهة بين الحزب والنظام السياسي منذ عام 1992 حتى عام
1997.
ويذكر أن طاجيكستان،
هي الدولة الوحيدة من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، التي تسمح
بوجود حزب إسلامي، وأتاحت للمعارضة الإسلاميَّة فرصة المشاركة بشكل رسمي في الحكم،
باستثناء حزب التحرير الذي يدعو إلى إقامة الخلافة الإسلاميَّة.
البداية كانت في
سبتمبر 2008، عندما اتخذت الحكومة إجراءات تهدف لتقويض الإسلام السياسي بشكل عام
على شاكلة: مضايقة الحجاب، وحظر الأسماء العربية، والتضييق على الصلاة في أثناء
العمل، وكان المستهدف الأول من هذه الإجراءات هو حزب النهضة وقاعدته.
منعت حكومة
"رحمانوف" كل مظاهر التدين في المجتمع، ومنعت أداء الصلاة في غير
المساجد، كما منعت ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات والأسواق والدوائر
الحكومية، كما منعت ترشح امرأة محجبة للانتخابات، ومنعت كذلك إطلاق اللحى، ومن يرتكب
شيئًا من ذلك يتعرض للتغريم.
كان ذلك بمثابة حلقة
من مسلسل مواجهة ما يصفه نظام الرئيس "إمام علي رحمون" بانتشار
"التطرف الإسلامي" في البلاد، كما تم إغلاق المسجد الرئيسي لحزب النهضة
الطاجيكي في 26 نوفمبر 2010.
تأتي تلك القيود، في
أعقاب انتشار التطرُّف بين قطاعات واسعة من الشباب، نتيجة عودة طالبان في
أفغانستان بعد بدء انسحاب القوات الأمريكية، وظهور "داعش"، وطلبه خبرات
مقاتلي آسيا الوسطى وأفغانستان.
ويسير نشر التطرُّف
الإسلامي في آسيا الوسطى بوتائر سريعة لم يكن يتوقَّعها أحد من قبل، خاصة بعد
انتشار العديد من التنظيمات الإرهابية مجددًا هناك.

«النهضة» منظمة إرهابية
توجت هذه الإجراءات
بتصنيف حزب النهضة في نهاية سبتمبر 2015 منظمة إرهابية، وأوقف نحو عشرة من مسؤوليه
قبل أيام على ذلك الحظر، أما زعيمه "محيي الدين كبيري" فقد غادر
طاجيكستان في مارس 2014 ويُقيم في تركيا، وكانت النيابة العامة العسكرية في
طاجيكستان وجهت إلى "نزار زاده" وغيره من المسؤولين الأمنيين اتهامات
بالخيانة العظمى والإرهاب، كما أُغلقَ المقر الرئيسي للحزب في العاصمة الطاجيكية
"دوشنبه".
وتتهم السلطات
الطاجيكية أعضاء هذا الحزب الذي يَعُدُ نفسه معتدلًا، بالوقوف وراء أعمال عنف
أسفرت عن سقوط أكثر من 40 قتيلًا في مواجهات بين متمردين وقوات الأمن، وقالت
السلطات إن المقاتلين كانوا بقيادة النائب السابق لوزير الدفاع العضو في الحزب
"عبدالحليم نزار زاده" الذي قُتل خلال المواجهات.
كما أعلنت النيابة
العامة في طاجيكستان، القبض على 13 من قيادات حزب النهضة الإسلامي، بينهم امرأة،
بتهمة "التآمر وتقديم الدعم لمجموعة الجنرال المتمرد عبدالحليم نزار زاده".
وقالت النيابة، في
بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "خاور" في 17 سبتمبر 2015: "إنه
حسب الأدلة الموجودة لدى النيابة، فإن المسجونين الـ"13"، ناشطون في حزب
النهضة، ومتهمون بالتواطؤ مع المجموعة المسلحة المتمردة، التي هاجمت مراكز الشرطة
في مدينة دوشنبه، والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع في دوشنبه، قبل أن يلجؤوا إلى وادي
راميت، وضواحيها في 4 سبتمبر 2015.

بين إيران والإخوان و«داعش»
خلال فَعَاليَّات ما يُسمى مؤتمر الوحدة الإسلاميَّة بطهران
2016، استضافت إيران زعيم حزب النهضة الإسلامي، "محيي الدين كبيري"،
والتقى "كبيري"، المرشد الإيراني "علي خامنئي"، ما أدى إلى
اعتراض الحكومة الطاجيكية على استقبال طهران وخامنئي لزعيم منظمة إرهابيَّة تُشكل خطرًا
على الأمن القومي الطاجيكي، وعلى ذلك عرض التلفزيون الرسمي لدولة طاجيكستان الناطق
بالفارسية فيلمًا وثائقيًّا خطيرًا عن تاريخ الدعم الإيراني للإرهاب في طاجيكستان،
وكشف الفيلم الوثائقي عن التنسيق بين النظام الإيراني وجماعة الإخوان.
وأوضح الفيلم تورُّط طهران في كثير من العمليات الإرهابية في
البلاد منذ استقلالها، من ذلك تدريب بعض العناصر الإرهابية على السلاح، وتنفيذ
الاغتيالات، واستهداف رجال الأمن والمثقفين، وتنفيذ الأجندة الإيرانية في الداخل
الطاجيكي.
وتأتي سلسلة السياسات التي تنتهجها حكومة طاجيكستان بقيادة
"رحمون"، وترى الحكومة أن حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان، هو استمرار
للجماعة المتطرفة "الإخوان"، التي تستقي أفكارها من مرجعياتها الفكرية
أمثال "سيد قطب" و"حسن البنَّا".
وترى السلطات أن "حزب النهضة الطاجيكي" ما هو إلا
صورة عمليَّة من تنظيم "داعش"، على خلفية العمليَّات التي قام بها الحزب
في الحرب الأهليَّة عام 1992 - 1997 وما ارتكبه من قتل واعتقال وتعذيب.
وفي سبتمبر 2015 اتهمت وزارة الداخليَّة في حكومة طاجيكستان حزب
النهضة الإسلامي بإقامة علاقات مع "داعش"، كما أشارت إلى أنه
"يعتزم رفع الراية السوداء" للتنظيم في هذه الجمهورية.
ولا يظهر أن لحزب النهضة خيارات من الممكن الرهان عليها في
الوقت القريب، لكنَّ تململًا واضحًا بدأ يسري في صفوف شباب الحزب الذين يُخشى من
تحولهم إلى خيار المواجهة المسلحة.