يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

سلطانات الدم.. «صفية» سفاحة أمراء بني عثمان «3-4»

السبت 12/سبتمبر/2020 - 01:41 م
المرجع
محمود البتاكوشي
طباعة
نجحت «صفية خاتون» في تسجيل اسمها في التاريخ بوصفها واحدة من أكثر النساء نفوذًا وسلطة ودموية في تاريخ الدولة العثمانية، أرسلت الموت إلى كل من فكر في أن ينتزع مكانتها، لكن الموت تسلل في غفلة منها إلى ابنها السلطان محمد الثالث فكسر شوكتها وحكم عليها بالعزلة حتى النهاية. 

جرائم صفية لم تتوقف على قتل السلطانة نوربانو، والدة مراد بدس السم لها في طعامها، والتحريض على قتل الصدر الأعظم محمد باشا صوقللو الذي كان بمثابة الساعد الأيمن للسلطانة نوربانو، كما أشرفت على عملية قتل جميع أبناء زوجها السلطان مراد الثالث الذكور قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لحماية عرش ابنها محمد الثالث، وأمرت بوضعهم في نعوش للدفن مع أبيهم السلطان في 19 يناير 1595.

ولدت السلطانة صفية، في البندقية، عام 1550 وهى ابنة «كوفو يوناردو» حاكم البندقية، وبيعت وهي في الثالثة عشرة من عمرها كسبية داخل سوق الرقيق بإسطنبول، واشترتها السلطانة هوما شاه حفيدة سليمان القانوني، وأهدتها إلى ولي العهد الأمير مراد ابن السلطان سليم الثاني.

سريعًا، ملكت صفية قلب مراد حتى منعته من اتخاذ محظيات غيرها في فراشه. وفي 26 مايو 1566، أنجبت له أول أبنائه الأمير محمد خان فور تولى مراد الثالث العرش العثماني، أمر بعتقها وأعلن زواجه منها ليرتفع مركزها في البروتوكول العثماني من جارية إلى قادين ثم إلى باش قادين، أي أم ولي العهد، وبذلك احتلت المرتبة الثالثة داخل الحرملك بعد السلطانة الأم نوربانو، وأخت السلطان السلطانة أسمات.

 بموت نوربانو وقبله اغتيال الصدر الأعظم صوكولو في العام 1579 خلا الجو تمامًا لصفية كي تأخذ دورها كسلطانة ذات نفوذ لا محدود في بلاط زوجها السلطان مراد الثالث، ضعف شخصية الأخير مكن أمه ثم محظيته من التحكم فيه، إذ أثر عنه حبه لحياة الترف ومجالسة المغنين والمهرجين وتفضيله كل ذلك على أمور الدولة وشؤون السياسة. 


وعندما مات مراد الثالث في عام 1595، أجلست صفية ابنها محمد الثالث على عرش السلطنة بعد أن أعدمت إخوته الذكور جميعًا والذين كان عددهم 18 أميرًا عقب هذه الجريمة الشنعاء، منحت صفية لقب السلطانة الوالدة مع نفوذ متضاعف وسلطة فوق ابنها السلطان محمد الثالث الذي تحول إلى ألعوبة بين يديها، حتى أصبحت صفية صاحبة الأمر التي تعين أو تعزل الصدور العظام والوزراء والأغوات والقضاة دون أن يردها راد. 

وكي تضمن القضاء على أي منافسة مستقبلية من قبل الأمراء الذكور في القصر، فإن صفية ابتدعت بدعًا جديدة من حبل أفكارها الشرير، حيث ألغت القوانين القديمة التي عين بناء عليها الأمراء في الولايات المختلفة لتدريبهم على شؤون السياسة والحرب واستبدلتها بقانون جديد عرف باسم أقفاص الأمراء، كان الذكور من آل عثمان وفقًا له يحبسون داخل أجنحة معزولة عن العالم داخل الحرملك. وهذا ترك آثارًا بالغة على سلاطين آل عثمان في المستقبل، حيث خرج هؤلاء جميعًا من تلك الأقفاص يعانون آلامًا نفسية صعبة نتيجة الوحدة القاتلة التي عاشوها، ما أورثهم ألوانًا عديدة من الجنون والاضطرابات النفسية. 

اهتمت السلطانة بتثبيت أركانها في الداخل وأدارت ظهرها للخارج فمنيت الدولة العثمانية بهزائم عسكرية ساحقة، استعادت خلالها الدولة الصفوية في إيران قوتها وحققت نجاحات هائلة في العراق، أما النمسا فقد تقدمت بجراءة تهاجم الحدود العثمانية في البلقان محققة انتصارات كبيرة، بعدما ضربت الفوضى أركان آل عثمان، ودخلت فرق الجيش في صراعات داخلية، السباهية ضد الإنكشارية، والولاة ضد بعضهم البعض.

ثارت فرق الإنكشارية، وهاجمت طوب قابي سراي، فلم يجد السلطان الضعيف ما يدفع به الجنود الثائرين، إلا أن صفية استعادت زمام الأمور سريعًا لتنقذ العرش فأرسلت إلى قادة الإنكشارية تقول لهم: «إن السلطان سيدفع لكم رواتبكم، مع زيادة عن المقرر إذا ما فصلتم رأس الصدر الأعظم عن جسده أولاً»، وهكذا تم إعدام الوزير الذي أراد سحب البساط من تحت قدميها.

استمرت صفية في غيها ذاك حتى وفاة ابنها محمد الثالث في العام 1603، وعندما خلفه ابنه السلطان أحمد الأول، أمر هذا الأخير بنقل صفية وفقًا لقانون الحرملك إلى القصر القديم، وأصبحت أم السلطان أحمد، السلطانة خاندان هي السلطانة الوالدة، ولكن ضعف شخصية خاندان مكن صفية من استمرار التأثير في مجريات الأمور بالسلطنة العثمانية حتى ظهرت جارية جديدة كان لها من قوة الشخصية ما مكنها من تقليص نفوذ صفية أخيرًا، هذه الجارية هي «كوسم» محظية أحمد الأول، والتي أعادت سيرة صفية في شبابها وتركت تلك الأخيرة تموت منسية في القصر القديم عام 1619، مفتتحة عصرًا جديدًا ستصبح فيه كوسم هي أقوى امرأة تحكمت في مصائر الإمبراطورية العثمانية بأربعين عامًا كاملة من النفوذ والتأثير.

"