يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

تأثيرات دخول الميليشيات قاعدة الوطية على الأوضاع في ليبيا

الثلاثاء 26/مايو/2020 - 01:03 م
المرجع
مصطفى صلاح
طباعة
تسببت سيطرة حكومة الوفاق في طرابلس، الإثنين 18 مايو 2020، على قاعدة الوطية الجوية، ذات المكانة الاستراتيجية في مسار الصراع في المنطقة الغربية الليبية، وفي إحداث تحولات كبيرة في ديناميكيات الصراع الداخلي، خاصة أن هذه السيطرة تأتي بعد سلسلة من الهزائم التي تعرضت لها «الوفاق»، وفقدانها السيطرة على الكثير من المناطق، ولكن وبسيطرتها على هذه القاعدة فإن ذلك سيمثل أهمية استراتيجية وعسكرية قوية في مسار الصراع في المنطقة الغربية، نظرًا للحيز الجغرافي الذي تقع فيه القاعدة، كما أنه بالسيطرة عليها يمكن للقوات الموجودة فيها من تنفيذ طلعات جوية منها على محاور الاشتباكات؛ حيث توفر غطاء جويًّا للقوات الموجودة على الأرض، وهي تابعة إداريًّا لمنطقة الجميل بالغرب الليبي، وتغطي كافة المنطقة الغربية، وتستطيع تنفيذ عمليات قتالية جوية ضد أهداف عسكرية بمحيط ليبيا وليس طرابلس فقط.
تأثيرات دخول الميليشيات
الأهمية العسكرية للقاعدة
تقع قاعدة الوطية على بعد 140 كم من العاصمة الليبية طرابلس، وسيطرة قوات حكومة الوفاق الوطني على هذه القاعدة، التي أنشأتها القوات الأمريكية خلال إنزال الحلفاء عام 1942، سيجعل منها موقعًا استراتيجيًّا، وغرفة لعملياتها العسكرية المقبلة، وتكمن الأهمية الاستراتيجية للوطية كونها القاعدة العسكرية الثانية من حيث المساحة بعد قاعدة معيتيقة، وهي قاعدة تبلغ مساحتها 50 كم، والطاقة الاستيعابية لها تتعدى السبعة آلاف جندي، كما تضم هذه القاعدة مطارًا عسكريًّا.

وبالتزامن مع فقدان الجيش الوطني الليبي هذا الموقع الذي يعتبر المركز الرئيسي لقيادة عملياته، فإنها ستصبح بعد ذلك مركزًا أساسيًّا لميليشيات حكومة الوفاق الوطني، فمن خلالها سيتزود الطيران التابع لها بالوقود للسيطرة على مناطق إضافية، على سبيل المثال إقليم فزان.

إضافة إلى جعل هذه القاعدة منطقة محصنة لطائراتها بعيدًا عن مدى صواريخ قوات الجيش الوطني الليبي، وضمن السياق ذاته تتميز المنطقة التي تقع فيها قاعدة الوطية بموقع جغرافي يساهم عسكريًّا بشكل كبير في التحصن، نظرًا لأنها تضم تضاريس طبيعية محصنة، وهذا الأمر الذي كان يفسر إصرار قوات الجيش الوطني الليبي على البقاء فيها لجعلها قاعدة إمدادات خلفية في غرب البلاد؛ تحسبًا لأي معركة مستقبلية.

انسحاب تكتيكي
وفق ما تم إعلانه من جانب غرفة عمليات الجيش الوطني الليبي، فإن ما تم من انسحاب تكتيكي ضمن التكتيكات العسكرية المعروفة والمعتادة في الحروب، وأن ما يتم الإعلان عنه من جانب الميليشيات ما هو إلا  انتصار وهمي، وقال الجيش إن قواته قامت بمناورة تراجعية اختيارية، وهي كثيرة الحدوث في سياق المعارك من منطق التكيف التكتيكي الذي يصاحب حالات المد والجزر في الأحداث، ويرتبط بالتغيرات التي قد تطرأ في موازين القوى العسكرية.

ولعل هذا ما تثبته الدلائل التي تقول إن الميليشيات لم تجد في القاعدة غير منظومة دفاع جوي متضررة ومحطمة، وعدد من طائرات الخردة التي تعود إلى عام 1980، وأن الانسحاب قد يكون لاستعادة القوى والرجوع لأرض المعركة بخطة ممنهجة لتفادي الخسائر، وأن الانسحاب المؤقت أحيانًا يكون ضرورة للإعداد والتحضير إلى نجاحات كبيرة في المستقبل، والظروف تدعو أحيانًا إلى التراجع خطوة؛ لاستطاعة التقدم بعد ذلك.

ويؤشر على ذلك أيضًا سحب كل الطائرات ومنظومات الدفاع الجوي والمستشفى الميداني، وكل الأطقم الطبية، وسيارات الإسعاف، وتم انسحاب 1500 جندي، ولم تأسر الميليشيات أيًّا منهم.

وهنا يكمن الفرق بين الانسحاب التكتيكي والهروب، بنقطتين فقط وبشكل مُبسط، فالانسحاب جزء من الخطة العسكرية، وتكون مدروسة بشكل جيد، ويُطبق ذلك الجزء بعد إتمام العملية كُليًّا، أو لاستعادة القوى والرجوع لأرض المعركة بخطة ممنهجة لتفادي أقل الخسائر، أما الهروب هو فعل ناتج عن خوف وقلة يقين بصدق القضية؛ ما يؤدي إلى عدم مواجهة العدو، وترك ساحة القتال، وترك الأسلحة والآليات والجنود.
تأثيرات دخول الميليشيات
دعم تركي مستمر
منذ توقيع اتفاقية التعاون الأمني والعسكري بين حكومة الوفاق الليبية وتركيا في 27 نوفمبر 2019، تشهد الساحة الليبية إمدادات متزايدة من الأسلحة والمرتزقة الذين يتم إرسالهم من جانب تركيا إلى هناك، وهو الأمر الذي تسبب في تغيير موازين القوى الداخلية، فقد أكدت عديد من الدول الإقليمية والدولية بأن هناك زيادة في مستوى انتقال المرتزقة من سوريا والأسلحة إلى الميليشيات المسلحة التابعة إلى حكومة الوفاق، بجانب ذلك إرسال قوات عسكرية تركية لمساندة ميليشيات حكومة الوفاق، كما أعلنت قوات الجيش الوطني الليبي وفق العميد خالد المحجوب مدير مكتب التوجيه المعنوي في 22 مارس 2020، بأن الميليشيات في مدينة مصراتة استقبلت شحنة أسلحة جديدة قادمة من تركيا.

وكانت قاعدة الوطية تلعب دورًا مهمًّا في تنفيذ عملية الكرامة التي يقودها الجيش الوطني الليبي؛ حيث تم استخدامها لمتابعة الهجوم على العاصمة الليبية، إضافة إلى إنه يمكن اعتبارها بمثابة المقر الرئيسي لقيادة الجيش في المناطق الغربية والوسطى من ليبيا.

ومن ثم فإن فقدانه مثل هذا الموقع المهم استراتيجيًّا، وجد الجيش الوطني الليبي نفسه في وضع متراجع بصورة نسبية ميدانيًّا، ولكن من ناحية أخرى وفيما يخص الدعم التركي، فقد يكون الانسحاب التكتيكي من جانب قوات الجيش الوطني الليبي بمثابة إعادة لتوحيد الصفوف وتنظيمها؛ خاصة بعدما شهدت المرحلة الأخيرة زخمًا كبيرًا فيما يتعلق بالمساعدات التركية لميليشيات الوفاق، وبالتالي فإن ما جرى في قاعدة الوطية يمثل انسحابًا ناجحًا للجيش الوطني أكثر من أي شيء آخر.

انعكاسات ممتدة
من المحتمل أن تتسبب هذه التطورات الميدانية في الكثير من الانعكاسات الداخلية والخارجية، ويجب الإشارة هنا إلى أنه ثمة مؤشرات عديدة على سيطرة ميليشيات حكومة الوفاق على قاعدة الوطية، ولعل أهمها هو استمرارية الدعم المقدم من جانب تركيا لحكومة الوفاق بصورة أكثر سهولة، وهو ما قد يسهم في زيادة الضغوط الإقليمية والدولية على تركيا، خاصة أنها لم تلتزم بمخرجات العملية السياسية في مسار برلين السياسي ومؤتمره المنعقد في يناير 2020، كما أن هذه التحولات الاستراتيجية في ليبيا قد تدفع هذه المرة إلى توحيد الجهود العربية في مواجهة التدخل التركي بصورة مباشرة وغير مباشرة في دعم حكومة الوفاق وميليشياتها المسلحة، وهذا الدور العربي قد يتجلى بصورة كبيرة بالتنسيق مع الدول الأوروبية والدولية التي من المحتمل أن تنعكس الأوضاع التي تشهدها ليبيا على أمنها واستقرارها.

1- مواجهة سياسية وعسكرية
قد تتسبب هذه التطورات في أن تواجه تركيا الداعم الأكبر لحكومة الوفاق الليبية ضغوطًا كبيرة فيما يتعلق بسياستها القائمة على دعم الميليشيات الإرهابية التابعة لها، خاصة بعدما انشغلت دول المنطقة والعالم بمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، ولكن من ناحية أخرى فإن دول الاتحاد الأوروبي أطلقت العملية إيريني، والتي من شأنها مواجهة ومراقبة حركة تدفق الأسلحة إلى ليبيا، كما أن الدول الأوروبية بدأت تهتم بصورة كبيرة بأمنها الإقليمي بعدما أحدثت تقدمًا في الحفاظ على أمنها الإنساني في مواجهة تداعيات انتشار الفيروس، وهذا الأمر قد ينعكس بصورة مباشرة على مجريات الأحداث الداخلية الليبية، والتي من الممكن أن تستمر قوات الجيش الوطني الليبي في استكمال عملية الكرامة.

2- تعزيز النفوذ
قد تستغل تركيا سيطرة ميليشيات حكومة الوفاق على قاعدة الوطية في التسريع بإرسال الإمدادات الجوية من مرتزقة وأسلحة لمساندة ودعم هذه الجماعات، وهو ما يمكن أن يسهم في زيادة مستوى انخراطها في الأزمة، خاصة أن هناك إصرارًا من جانب تركيا على دعم حكومة الوفاق في الضغط على الدول الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها على مستوى الداخل الليبي، وأيضًا في منطقة غاز شرق المتوسط.

3- الهجوم مجددًا
بعد إعلان الجيش الوطني الليبي أن انسحابه من قاعدة الوطية بمثابة انسحاب تكتيكي، فسوف تكون هناك استمرارية في تنفيذ عملية الكرامة الخاصة بالتخلص من الميليشيات المسلحة، والحفاظ على وحدة واستقرار ليبيا.

الكلمات المفتاحية

"