«داعش».. استغلال أزمة «كورونا» لتهديد الأمن الأوروبى

تنبأ عدد من الخبراء أن تأثير انتشار فيروس كورونا المستجد عالميا سيؤدي إلى تغييرات هيكلية في المجتمع الدولي تعيد تشكيله، وظهرت تكهنات حول ما إذا كان الإرهابيون قد يستغلون الفوضى الناجمة عن الفيروس والاضطرابات التي تلحق بالحكومات لصالحهم.
يعتبر تنظيم "داعش" الإرهابي أن الكوارث الطبيعية بشكل عام، دليل على أن الله يدعمه في استهداف خصومه. ولكن لم يدم هذا الموقف طويلًا، فقد قام بتغيير رأيه في أزمة "كورونا" حين أعلنت منظمة الصحة العالمية الفيروس كوباء عالمي؛ لأنه استشعر أن الوباء يمثل خطرًا على الإرهابيين أنفسهم.

وقام التنظيم نفسه بنصح إرهابييه بتجنب أوروبا بسبب المخاوف من العدوى، وذلك في بيان بمجلة 'النبأ' الصادرة عن داعش، التي تقدم توجيهات الشريعة –حسب تعبير التنظيم- التي تحث أهلها على عدم السفر إلى 'أرض الوباء'.
علاوة على ذلك، يحتوي هذا البيان على معلومات عن الجهاديين المصابين في أوروبا، ويخبرهم بعدم العودة إلى ديارهم، ما لم يتم علاجهم. وبعد ذلك دعا إلى استغلال الفيروس لاستهداف الدول الأوروبية.
منذ انتشار الوباء في عام 2020، أصبح الخوف الأكبر الذي تروج له وسائل الإعلام الجماهيري هو فيروس كورونا، وهذا ما أدى إلى إبعاد الإرهاب عن الصفحات الأولى للصحف بطريقة سريعة إلى حد ما، غير أن هذا لا يعني أن الإرهابيين يمكنهم استغلال بيئة الخوف والتعطيل التي شكلها الوباء لتحقيق غاياتهم وجدول أعمالهم.
وتستخدم الجماعات الإرهابية الإمكانيات الجديدة التي أوجدتها أزمة الفيروس لزيادة قوتها ونفوذها. ليس فقط من خلال طريق العنف واستخدام القوة ضد المدنيين، ولكن من خلال وسائل أكثر ليونة من خلال تقديم المساعدات الإنسانية في المناطق والبلدان التي تكون فيها الحكومات إما غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك.
وتسببت أزمة الفيروس في ظهور العديد من نقاط الضعف التي تمثل فرصًا للتنظيم، خاصة في قطاع المعلومات والمجال المعرفي بشكل عام، والتي استغلها لزيادة الشعور العام بالخوف والقلق، إضافة إلى زيادة أنشطة التضليل لزيادة الفوضى من أجل زعزعة الثقة في الحكومات مقابل زيادة شرعيتهم السياسية والروحية.
ويمكن للتباعد الاجتماعي الذي فرض ضمن إجراءات مكافحة فيروس كورونا أن يمثل نقطة ضعف كبيرة؛ حيث إنه تسبب في شعور الناس بالعزلة والانغلاق وأصبح لديهم الكثير من الوقت لقضائه على وسائل التواصل الاجتماعي بما يجعل من السهل على التنظيم رصدهم وتتبعهم بل وتجنيدهم أيضًا بما يجعل هؤلاء الناس متطرفين.
ونجح "داعش" في بث الخوف في نفوس مواطني الاتحاد الأوروبي، فعلى سبيل المثال، في إسبانيا يعتبر ستة من كل عشرة أشخاص أن هناك خطرًا كبيرًا وفرصة سانحة لشن هجوم إرهابي من قبل "داعش" في هذا التوقيت، ورأى الفرنسيون، مستوى أعلى من الخطر على أمنهم الشخصي من تنظيم "داعش" مقارنة بباقي الدول الأوروبية، إذ رأى 70% من السكان أن هناك تهديدا محتملا من قبل داعش.

بينما رأى 45% من الإيطالييين، 42% من الألمان، 39% من البرتغاليين، و35% من البلجيك أن دولهم معرضة للتهديد من قبل داعش. ولم تخلو الدنمارك وآيسلندا والنرويج من أولئك الذين يعتقدون بوجود تهديد من قبل التنظيم حتى وإن كانت نسبهم أقل من باقي الدول.
وبلغ المتوسط الإجمالي لأولئك الذين يشعرون بالتهديد الشديد 44% من سكان أوروبا، في حين أن أولئك الذين يشعرون بالتهديد أو يشعرون بتهديد قليل فبلغت نسبتهم 16% وذلك وفقًا للدراسة التي أجرها معهد DYM لاستطلاعات الرأي العالمية.
وحسب المنطقة أظهرت الدراسة التي أجريت في أجريت في 68 دولة حول العالم، مع أكثر من 68،000 مبحوث، أن الأوروبيين هم أكثر من يشعرون بالتهديد من تنظيم داعش، يليهم الأمريكيون، ثم الآسيويون ويليهم سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ورغم أن تلك الدراسة أجريت في 2016 فإن سكان أوروبا مازلوا يعتقدون بتمثيل تنظيم داعش تهديدًا على أمنهم وهو ما أثبته لهم التنظيم الذي خطط أحد أعضائه لشن هجوم في إسبانيا رغم تفشي فيروس كورونا.
فقد قامت السلطات الإسبانية بتعاون من ضباط الاستخبارات بالمغرب 7 مايو 2020، باعتقال أحد أتباع تنظيم "داعش" الذي كان يبحث عن أهداف للهجوم في برشلونة مستغلًا فترة الحظر الكامل بسبب انتشار فيروس كورونا في البلاد، وتشير هذه الواقعة إلى سعي "داعش" إلى استغلال أعضاء منفردين تابعين له للقيام بعمليات في الدول الأوروبية فيما يعرف بـ "الذئاب المنفردة".
ومنذ انتشار الفيروس في جميع أنحاء أوروبا، وقع عدد من الهجمات الإرهابية المنفردة، كما قام بعض الإرهابيين الخاملين بإعلان ولائهم لـ"داعش" وكراهيتمهم للغرب على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويتضح أن أزمة فيروس كورونا ربما تهيئ الظروف لتنظيم "داعش" الإرهابي للقيام بمزيد من العمليات في الدول الأوروبية مستغلًا انشغال كافة الأجهزة بها بمكافحة فيروس كورونا ومحاولة الحد من انتشاره، وعلى ذلك يوجد تهديد محتمل من قبل التنظيم وأعضائه في الدول الأوروبية على الأمن والاستقرار الأوروبيين، وهو ما يستلزم عدم إغفاله في ذلك التوقيت.