أزمة كشمير.. نحو تصعيد جديد يعقده صراع مصالح دولي
لايزال إقليم كشمير المتنازع عليه بين
الهند وباكستان بؤرة للصراع والعنف واستقطاب الإرهاب؛ لما يوفره من بيئة مضطربة، تتضافر عواملها الجيوسياسية لمنح المنطقة مزيدًا من عدم الاستقرار الذي تتصاعد ذروته
من آن لآخر.
في 2 مايو 2020 تنامى تصعيد جديد في المنطقة بعد إعلان الهند عبر المتحدث باسم جيشها الوطني، الكولونيل راجيش كاليا، مقتل جنديين من الجيش الهندي، وإصابة آخر جراء إطلاق نار من الجهة التي تسيطر عليها باكستان في كشمير، متهمًا جنود باكستان بتنفيذ القصف على منطقة أورى الغربية، بالمخالفة لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين البلدين في 2003.
ومن ثم ترد باكستان بأن الهند تنفذ عمليات قصف (استفزازية) تجاه مناطق سيطرة الأولى؛ ما أسفر عن إصابة امرأة بإصابات شديدة الخطورة، وبالتالي قررت إسلام أباد استدعاء الممثل الدبلوماسي للهند، وإبلاغه بالاحتجاج الرسمي على انتهاك سلطات بلاده لوقف إطلاق النار.
وهنا يبرز تبادل اتهامات بخرق الاتفاقيات بين الطرفين، ليُستدعى الإرهاب كمتغير رئيسي في الأزمة، ففي 3 مايو 2020 أعلنت الهند مقتل خمسة من رجال الأمن التابعين لها في عملية نفذت السبت 2 مايو 2020 ضد إرهابيين احتجزوا رهائن من مواطنيها في قرية تشانغيمولا في هاندوارار بشمال كشمير، مضيفة أن الإرهابيين كانوا مدججين بأسلحة متطورة أسهمت في تعقيد الهجوم.
علة كورونا
تترافق عمليات التصعيد بين الطرفين الهندي والباكستاني مع أزمة انتشار جائحة كورونا عالميًّا، إذ اعتبرت باكستان أن انتشار الفيروس وما صاحبه من إجراءات احترازية بغلق بعض المدن وتقويض الاتصال الشخصي بين المواطنين قد اتخذ كذريعة من قبل الهند لفرض سيطرتها على إقليم كشمير.
وفي 30 أبريل 2020 اتهم رئيس وزراء باكستان عمران خان نظيره الهندي ناريندرا مودي بارتكاب جرائم حرب في كشمير، مستغلًا أزمة كورونا، وذلك في أعقاب إعلان الهند في 19 مارس 2020 غلق الإقليم لتفشي الإصابات بداخله.
واستطرد خان عبر بيان رسمي متلفز بأن السلطات الهندية انتهكت اتفاقية جنيف الرابعة بتنفيذها عمليات إبادة جماعية لسكان الإقليم، داعيًا القوى الدولية للوفاء بالتزاماتها لحقن الدماء في المنطقة المصنفة أمميًّا بالمتنازع عليها.
ومن جهته، يعتقد الجانب الهندي أن عملياته في المنطقة هدفها الرد على هجمات الإرهابيين ممن تعتقد بأنهم ممولون من باكستان، وذلك عبر اتهامات رسمية صاغتها الأجهزة الهندية، ما ينذر بتأجيج جديد للصراع بين الدولتين النوويتين.
تاريخ من الأزمات
تتصاعد أزمة الإقليم منذ تقسيم البلدين، وإعلانهما الاستقلال عن بريطانيا في 1947، إذ قسمت شبه الجزيرة الهندية على أسس طائفية ودينية ارتحل على إثرها الهندوس للهند، وارتحل المسلمون لباكستان، وبقي إقليم كشمير ممزقًا بين الاثنين، فيما تحاول كل منهما السيطرة عليه بأكمله بدلا من نصفه، لما يشمله من أهمية استراتيجية لهما، فهو غني بالموارد الطبيعية والمائية.
وعلى وقع هذا الإقليم دارت معارك بين الطرفين تخللتها بعض فترات من الهدوء، ولكنها عادت للذروة مجددًا إبان قرار رئيس الوزراء الهندي بإلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير في 5 أغسطس 2019، مع تقسيم الإقليم إلى منطقتين تحت سيطرة الهند.
صبغة دولية
هنا تجدر الإشارة إلى أن الهند ربما اتجهت لذلك القرار بعد التعنت الذي واجهته لإدراج المتطرف مسعود أزهر قائد جماعة «جيش محمد» على لائحة الإرهاب الدولي التابعة للأمم المتحدة، لرفض الصين إدراجه عبر استخدام حق الفيتو، متعللة بنقص المعلومات الواردة عنه، ففي مارس 2019 كانت تأمل الهند لوضع «أزهر» على قوائم الإرهاب، لكنها فشلت لتكرار تعنت بكين.
المزيد.. سياسية واقتصادية.. أسباب فيتو الصين ضد تصنيف «أزهر» إرهابيًّا دوليًّا
إذا الواضح أن أزمة كشمير لا تقتصر على الصراع بين الهند وباكستان فقط، بل تشمل على علاقات دولية معقدة، فمنذ وقت وباكستان وتركيا يتقربان لبعضهما البعض، ويساندان بعضهما في أزمة كشمير لتحقيق مصالح مشتركة بين البلدين، وبناء عليه تتعقد قضية كشمير.
المزيد.. أيديولوجية مشتركة.. سرّ دعم «عمران خان» للعدوان التركي على سوريا
أزمة معقدة
وفي هذا الصدد، قالت نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمختصة في الشأن الآسيوي: إن قضية كشمير لها بعد تاريخي وسياسي، فمنذ الاستقلال في 1974 قامت حروب كثيرة بين الطرفين، وما عقد المشهد في الإقليم هو نزاع المصالح، فلكل بلد مصالحها المهمة التي تسعى لتأمينها في الإقليم، أي أن الادعاءات بأن الصراع له أبعاد وطنية أو قومية غير صحيح، وإنما تحكم المصالح صراعات الطرفين.
أما عن ملف الإرهاب المتنامي في المنطقة، تشير الباحثة في تصريح لـ«المرجع» إلى أن باكستان تدعي بأن هذه الجماعات تحارب لغايات قومية وحركات تحرر وتقرير مصير، ولكن الهند تعتبرهم إرهابيين، وهم بالفعل مجموعات من المتطرفين وفقًا لرؤية نورهان الشيخ، إذ يرتكبون عمليات إرهابية في المنطقة وفي داخل الهند نفسها، فما تصف به إسلام أباد هذه المجموعات من وطنية لا يسقط عنها الإرهاب، ولا يخرجها من دائرته.
وتستطرد بأن الأوضاع تزداد تعقيد وبالأخص بعد قرارات رئيس وزراء الهند بشأن الحكم الذاتي، ولكن فيما يخص التعاون الدولي لحل الأزمة مثلما حدث من طلب باكستاني لواشنطن بالتدخل في الأزمة.
وقالت الباحثة إن واشنطن لا تستطيع تأييد أي طرف على حساب الآخر، فلها مصالح قوية مع الهند، ومصالح مهمة مع باكستان، كما أن واشنطن لا تريد تسوية حقيقية للأزمة بل تريده مشتعلًا لتحقق مصالحها، فالاستقرار الدولي لا يعنيها بالأساس.
وأما بخصوص طلب باكستان في أول مايو 2020 مساعدة الأمم المتحدة في التحقيق في الاتهامات الهندية بوجود منصات لإطلاق الإرهاب في المنطقة، وهو ما تستخدمه الهند للتدخل العسكري، أشارت أستاذة العلوم السياسية إلى أن هذا الطلب يوحي بأن إسلام أباد باتت تعي بأن موازين القوى الدولية حاليًّا ليست في صالحها، ففي كل مرة للتصعيد كانت تدير المعارك بنفسها، ولكن لجوئها الحالي للأمم المتحدة يعني بأن الهند أضحى لها موقف أقوى، مؤكدًا أن الأمم المتحدة لم تغب عن الأزمة منذ بدايتها، وكان لها قرارات كثيرة بشأنها، ولكنها غير مفعلة ولا يلتزم بها الطرفان.
المزيد.. «أزمة كشمير».. باكستان تقطع العلاقات الدبلوماسية مع الهند





