يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad
أحمد يوسف
أحمد يوسف

ما بعد الوباء في فرنسا

الثلاثاء 21/أبريل/2020 - 08:31 م
طباعة

الفاتورة السياسية الباهظة التي ينتظرها ماكرون

 

علي مسافة أيام من فك الحظر المنزلي علي 60 مليون فرنسي والمراقب يوم 11 مايو المقبل تقدمت عدة شخصيات قانونية وعامة برفع نحو 28 قضية جنائية علي وزراء في الحكومة بتهم خطيرة أهمها التقصير والكذب وإخفاء الحقيقة مما أفضى إلى موت مئات الفرنسيين .


وغير خافٍ علي أحد أن إدارة الأزمة طبيًّا وإعلاميًّا في فرنسا شابها عوار فاضح ستفرز أزمة سياسية وقضائيه قد تعصف -في أحسن الأحوال- بالحكومة وفي أسوأ الأحوال بالرئيس نفسه، ليس فقط في إمكانية إعادة انتخابه للرئاسة؛ وإنما في جرجرته أمام القضاء، بعد انقضاء حصانته الرئاسية، علي غرار ماحدث بشكل خفيف مع الرئيس جاك شيراك، وبشكل مهين مع نيكولا ساركوزي، مع العلم أن الرئيسين المذكورين لم تؤد الجرائم المنسوبة لهما في فقدان الحياة لآلاف الفرنسيين، ومن هنا يمكن أن نتبين شكل وحجم العاصفة المقبلة علي الحياة السياسية في فرنسا.


ماهي بالضبط الاتهامات الموجهة للرئيس وحكومته؟


يمكن تلخيص ذلك في النقاط الخمس التالية :


1- عدم الاستعداد لمواجهة الوباء رغم وجود تقارير عن قرب حدوث ذلك، بل إن وزيرة الصحة السابقة انياس بوزان كشفت أنها أرسلت لرئيس الوزراء في منتصف فبراير تحذره من اقتراب الوباء واستحالة إجراء  الانتخابات البلدية في ظل تلك الظروف لاحتمال انتشار العدوي وهو وقع بالفعل.


2-استهانة الحكومة بما حدث في الصين والتعالي علي إيطاليا وإعطاء دروس في عظمة المنظومة الصحية الفرنسية التي لا تقهر، وخروج الرئيس لقضاء السهرة بالمسرح يوم 7 مارس وحثه الفرنسيين علي الخروج، وهذه النقطة الأخيرة ستكون سلاحًا يشهره المعارضون في وجه الرئيس شاهرين أشرطة الفيديو الخاصة بها.


3- التصريح القاتل للمتحدثة باسم الاليزيه، سيبت ندياي والذي قالت فيه إن ارتداء الأقنعة الواقية ليس له أي فائدة بل إنها شخصيًا لا تعرف كيف ترتديه. ولا يمر يوم في فرنسا دون أن يعرض الفرنسيون علي مواقع التواصل الاجتماعي شريط الفيديو الخاص بها، والذي وصفه أحدهم بقوله إن الزعيم الراحل شارل ديجول لو كان هو ساكن الإليزية لأمر بمحاكمة عسكرية لها.


4- هناك أيضًا الملف الخاص بالأقنعة، وهو كارثة بكل المقاييس قد تطير فيها -مجازيا- رقاب الرئيس السابق فرانسوا هولاند الذي تم تحت رئاسته إعدام نحو مليار قناع بحجة عدم مطابقتها الشروط الصحية، والرئيس الحالي الذي رأي تخبط الوزراء وكبار موظفي الدولة في إجراءات استيراد وتصنيع الأقنعة، والوعود المتكررة باتاحتها للمواطنين، حتي انتهي الأمر باعتراف الحكومة بأنها -في انتظار وصول الأقنعة الصينية آخر يونيو- فأن ليس أمامها سوي الحجر علي الأقنعة الموجودة في كل البلاد من أجل توفيرها فقط للأطقم الطبية.


5- نفس التخبط يقال عن التوصل للقاح، وعن علاج للمرضى، أصبح واضحًا للجميع أن الرئيس  والحكومة تتخذ قرارات بناء على مشكورة المجلس الصحي الخاص بالأزمة برئاسة البروفيسور جان فرانسوا ديلفريسي الحائز علي جائزة نوبل في الطب . لكن كان واضحا وجود خلافات داخل المجلس بل صراعات مع البروفيسور الشهير عالميًا  ديدييه راوولت الذي يطالب بعد تجارب بعلاجه المرضى في المراحل الأولى بعقار الكلوروكين الذي يستخدم منذ 70 عاما في الوقاية والعلاج من الملاريا  . بل إن شخصيات سياسية نافذة في الحزب الجمهوري المعارض وعلي رأسه برونو روتايو من مجلس الشيوخ وكريستيان ايستروزي عمدة مدينة نيس (الذي أصيب بالمرض و عولج بالعقار المذكور) طالبت الرئيس بتجاوز تعقيدات المجلس الصحي وفرض العقار، خاصة بعد أن أعلن الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة ستعالج مرضانا بهذا العقار فما كان من الرئيس إلا أن قام بزيارة البروفسير راوولت في مرسيليا مكتفيا بذلك.

 

من الواضح أن فرنسا بعد أن تتخلص من الوباء مقبلة علي صيف ساخن لن يسافر فيه الناس لقضاء  الإجازات لاسباب وقائية ومالية لكن سيتفرغون للحكومة والرئيس بطلب كشف الحساب . بل إن هناك -حسب مصادرنا- فرق قانونية أتمت الدراسات القانونية لمحاكمة الوزراء  أمام مايعرف باسم "المحكمة العليا الجمهورية" وهي محكمة استنثنائية للوزراء والسياسيين وفرق أخري تعمل سرا علي دراسات لاستخدام الأزمة ليس فقط الانتخابات الرئاسية المقبلة بل في عزله أو إجراء انتخابات رئاسية مقبلة .

الفرنسيون غاضبون مما حدث بل يشعرون بخدش في كرامتهم بعد أن رأوا كيف تعاملت ألمانيا مع الوباء وبها عدد سكان أكبر من فرنسا ولديها حدود مع كل الدولة .


كشف الحساب إذن سيكون عسيرا والعاصفة المقبلة علي فرنسا قد تكون أشد وطأة من الوباء نفسه.


أن نقول إن الهيكل الاجتماعي والمؤسسي والاقتصادي في فرنسا من الصلابة بحيث إنه سيتجاوز هذه المحنة لكن الفرنسيين يعشقون التخلص دومًا  من حكامهم المخطئين بشكل درامي .

"