حميد زناز لـ«المرجع»: الإسلاميون فقدوا مصداقيتهم في الشارع الجزائري.. والشعب لن ينخدع مجددًا في شعاراتهم

تمر الجزائر بمرحلة انتقالية في
تاريخها الحديث بدأت منذ الاحتجاجات التي اندلعت في فبراير 2019 وأجبرت عبدالعزيز
بوتفليقة على عدم الترشح لولاية رئاسية خامسة، وأتت بعبدالمجيد تبون على رأس
السلطة الحالية عبر انتخابات داخلية، ولكنها لا تزال تضطلع إلى إرساء معايير
الديمقراطية والمدنية كمتغيرات أساسية لمستقبلها.
فهل تستطيع الجزائر المرور نحو دولة
ديمقراطية متقدمة؟، وما فرص الجماعات الإسلاموية على خريطتها السياسية وتحديدًا
جماعة الإخوان الممثلة في حركة مجتمع السلم (حمس)؟، إلى جانب مستقبل الحركة
العلمانية بالبلاد؟
ولمزيد من دراسة ماهية الأوضاع
السياسية الحالية والمستقبلية في البلاد تحاور «المرجع» مع الباحث الجزائري المقيم
بفرنسا، حميد زناز، والمهتم بالدراسات حول الحركات الأصولية مؤلفًا (فصل المقال في
الرد على أهل الظلام)، و (تجارب في الفلسفة والأدب والحياة)،
إلى جانب الإصدارات الفرنسية مثل (الأصولية.. كيف حفر الغرب قبره)، وغيره من
المؤلفات التي عبر من خلالها عن معتقداته بأن الجماعات الإسلاموية ما هي إلا
استعمار جديد يهدد كيان العالم.
· إلى نص الحوار
ما تأثير الحركات الإسلامية الراديكالية بشكل عام
و«حمس» بالأخص على مدنية الدولة الجزائرية ومكتسبات الديمقراطية والتعددية السياسية؟
الحركات الإسلامية لا علاقة لها بالديمقراطية على الإطلاق، الدولة
المدنية التي يتحدثون عنها ليست الدولة العلمانية، هناك سوء فهم كبير وسط الحراك،
فهناك فئة تفهم الدولة المدنية على إنها الدولة العلمانية، في الحقيقة مفهوم
الدولة المدنية لا يعني شيئًا إذا لم يكن يعني الدولة العلمانية الحديثة التي يكون
الفصل فيها واقعًا بين الشأن الديني والشأن السياسي.
بمعنى ما لم يتحول
الدين إلى مسألة شخصية لا مجال للحديث عن الدولة الحديثة، فلا تعدد سياسيًّا بدون تعدد ثقافي وفلسفي.
هل تعتقد بأن الجمهور الجزائري لم يعد يميل إلى
هذه الحركات لتأثره بسنوات العشرية السوداء؟
لقد جرب الجزائريون حكم
الإسلاميين، ففي 1990 شاهدوا ذلك التسيير الكارثي للبلديات التي فازت بها جبهة
الإنقاذ الإسلامية ولاحظوا اهتمام المنتخبين الإسلاميين بالتوافه من الأمور، وكيف
عجزوا عن تحقيق ما كانوا يعدون به في المساجد، ولم يقدموا شيئًا لسكان بلدياتهم،
وليس هذا فحسب بل واصل المنتخبون الإنقاذيون انتهاج سياسة جبهة التحرير الوطني في
كل شيء، حتى في المحاباة واستعمال وسائل البلديات لمصالحهم، ويتذكر الجزائريون ما
قاله أحد قياديي الجبهة الإسلامية رابح كبير: "جبهة التحرير أكلت 30 سنة ونحن
أيضا سنأكل 30 سنة".
يعرف الجزائريون أن النظام
وتحت يافطة المصالحة الوطنية ثم الوئام الوطني قد تحالف مع الإسلاميين بعد أن أهدى
لهم عفوًا شاملًا ليسوا أهلًا له، وكيف أغدق النظام على هؤلاء المجرمين بالأموال
والمساكن وأراضي البناء وأصبحوا يتبخترون ويستفزون عائلات الضحايا الذين لقوا
حتفهم على أياديهم الملطخة بالدماء، وتيقن الجزائري أن صديق الفاسد فاسد وبات
الإسلاميون ورجال النظام اسما لشيء واحد في نظر الناس.
كل هذا أفقد الإسلاميين
مصداقيتهم ولم يعودوا قادرين على التبجح بالاستقامة والعدل كما كانوا قبل أن
يسيروا البلديات، وقبل أن يمارسوا الإرهاب على نطاق واسع ويفرضوا على الجزائريين
الرعب وبعض السلوكيات المتخلفة طيلة عشرية كاملة، وقد ترسخ في ذهن أغلبية
الجزائريين أن الإسلاميين والنظام مسؤولان عن المأساة التي عاشتها بلادهم ويتحملان
المسؤولية الأخلاقية والقانونية لما ارتكب من مجازر.
وليس مصادفة أن أهم شعار
يتغنى به المتظاهرون في الجزائر طيلة السنة الفائتة هو "جزائر حرة ديمقراطية".
وهو دليل على أن هذا الجيل الجديد يريد ليس فقط إسقاط النظام لا إسقاط حلفائه
الإسلاميين، فإنه لا حكم لهذه الجماعات بعد أن شاهد الأعمال الوحشية التي قام بها
تنظيم داعش.
وعلاوة على كل ما سبق ففي
الجزائر ورقة رابحة ضد الإسلاميين غير متوفرة في أي بلد وهي منطقة القبائل، الصخرة
التي تحطمت عليها أحلام الأصوليين والتي ستبقى صامدة في وجوههم.
تكمن قوة الاصوليين
عمومًا والإخوان بصفة خاصة في ضعف الدولة وتساهلها والتي تركتهم يستغلون العاطفة
الدينية ويخترقون مؤسساتها الهشة وتسييس المساجد وأسلمة التعليم في كل أطواره
ووسائل الإعلام ..إلخ.
ليس هناك دراسات جدية
في هذه البلدان تؤهلنا أن نحكم على مدى تراجع شعبية الإخوان ولكن إذا ما تحدثنا عن
الجزائر يمكن القول أن الإخوان تلقوا ضربات كبيرة في شعبيتهم جراء مواقفهم
المتذبذبة من الحراك واللعب على الحبلين.
كيف ترى الانتقادات الموجهة من حمس للتيار
العلماني بالعمالة لفرنسا، واعتمادها دومًا على تشويه الخصم بوصمه بالتخابر مع
الغرب؟
ليس حمس فقط التي تنتهج هذا المنهج المضحك والبائس بل كل
التيارات الأصولية تحاول
أن تشوه العلمانية باعتبارها فكرة غربية لا تتلاءم مع المجتمعات الإسلامية، ولكنهم
يرفضون العلمانية لأنها تجذب البساط من تحت أقدامهم وتجبرهم على تقديم أفكار تخدم
المجتمع ميدانيًا لا على مستوى الخطاب الرنان الملامس للتاريخ.
على كل حال هم يسبحون ضد تيار التاريخ الإنساني ولن يفلحوا في إيقاف حركته، في كل يوم يزداد الوعي بضرورة العلمانية بين أوساط الشباب في الجزائر ؛وخاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي سيعطل الأصوليون المسألة بعض الشيء نظرًا
للوسائل الهائلة التي وضعتها السلطة بين ايديهم إ ذ يملكون على رأسها الآلاف من المساجد
والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام، ولكن ستفرض الدولة الحديثة العلمانية نفسها في
النهاية لأنها ضرورة تاريخية.
كيف ترى تلون حركة حمس خلال المرحلة السياسية الأخيرة بداية من دعم
ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، ثم ركوب موجة التظاهرات بعد نجاحها في إقصائه، وبعدها
مقاطعة الانتخابات الرئاسية، ثم محاولات التقرب من عبدالمجيد تبون وإظهار وجود
توافق بينهما؟
أولا: التمديد لبوتفليقة
في الحقيقة لم يدعم إخوان الجزائر بوتفليقة تدعيمًا مباشرًا وإنما
بخبث، فكعادتهم (مسكوا العصا من الوسط)، إذ تفاوض رئيس حمس عبدالرزاق مقري مع عبدالعزيز بوتفليقة وهذا وحده مخالف للدستور والأخلاق السياسية، فهم تفاوضوا مع
الشخص الذي احتكر السلطة لسنوات وكان الهدف المعلن التمديد لبوتفليقة سنة أو سنتين
ليتمكن من إجراء إصلاحات.
فهذا الموقف في حد ذاته يبرهن على غباء الجماعة، فبوتفليقة
استمر في الحكم لمدة 20 عامًا، ألم تكن كافية للإصلاح ؟، فهل ما لم يفعله في 20 عامًا
سيفعله بمباركة الإخوان في عام واحد، ولكن ذلك كان بالطبع مقابل غنائم مثلما تفعل حمس
دائمًا، التزكية مقابل المناصب وإعطاء مهلة لعائلة بوتفليقة لإيجاد خليفة يضمن
مصالح الجماعة.
ثانيًا: التخلي عن بوتفليقة
بالتأكيد الإخوان في الجزائر بزعامة حمس لا يبحثون سوى عن
مصالحهم الخاصة وليس لهم مواقف مبدئية واضحة، فبعد أن حاولوا التمديد لبوتفليقة،
بين عشية وضحاها أصبحوا ينادون بعكس ذلك عندما انتفض الجزائريون يوم 22 فبراير
2019 ضد بوتفليقة العهدة الخامسة. وتماشوا
مع الحراك أو تظاهروا بذلك ثم انضموا إلى الحوار الذي يدعو إليه الرئيس المعين.
للمزيد.. بمخالب «كورونا».. صقور «حمس» تنهش الاقتصاد الجزائري وتشمت في الدولة