يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

المرأة الصوفية.. الحرمان من البيعة وحضور مجالس الذكر

السبت 16/يونيو/2018 - 11:29 م
المرجع
سارة رشاد
طباعة
قرب ضريح السيدة زينب في قلب العاصمة المصرية القاهرة، كانت هناك سيدتان تجلسان على الأرض، إحداهما مسندة رأسها إلى جدار، والثانية صامتة متجهمة بوجه باهت، هاتان السيدتان هما: «نفيسة» و«فاطمة»، جارتان، متصوفتان قادمتان من محافظة أسيوط، في جنوب مصر، لزيارة مقام السيدة زينب، حفيدة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

المرأة الصوفية..
بجسدها النحيل، تقول فاطمة (60 عامًا): «طوال ثلاثين عامًا وأنا أصطحب جارتي -تشير إلى رفيقتها نفيسة- لزيارة مقامات آل بيت رسول الله، وأضرحة الأولياء الصالحين، للزيارة والتبرك.. كل واحدة منّا كانت تقتصد في مصروف بيتها لنتمكن من السفر والانتقال».
 
قالت ذلك ثم بدأت في الابتهال، منشدة كلمات تحمل دلالات حب؛ طلبًا للعون من السيدة الكريمة صاحبة المقام، ولم يكن مستساغًا أن تواظب سيدتان من صعيد مصر -على وجه الخصوص- مدة ثلاثين عامًا على أن يتركا بيتهما لأيام وليالٍ متصلة لأي سبب كان، إلا أن الوضع يختلف كثيرًا إذا ما كان للأمر علاقة بالصوفية والتصوف، الذي يتحكم كليًّا في النظرة لكل شيء

كما أنهما ليستا الوحيدتين هكذا، فغيرهما متصوفات أخريات لا تختلف تجاربهن كثيرًا عن «فاطمة» و«نفيسة»، ويُفهم ذلك من المعاني التي يهدف إليها التصوف في الأساس، فإذا كان التصوف عبارة عن حالة روحانية شعورية، فالمرأة هي الكائن ذو الطبيعة الأقرب لهذه الحالة.

المرأة الصوفية..
وربما لهذا السبب تسجل أبحاث كثيرة، تقدم المرأة المتصوفة على مدار تاريخ الصوفية على الرجل، إذ تصل قبله إلى المعاني السليمة للصوفية وتستقر هناك، وزاد على ذلك أنها في بعض الأحيان كانت تعلمه وتشير عليه، مثل السيدة رابعة العدوية -شخصية صوفية شهيرة في التاريخ العربي- وفاطمة النيسابورية، من أعلام التصوف وأستاذة ذي النون المصري، المتصوف الزاهد في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي.

ومما ساعد في ذلك أيضًا، المنهج الصوفي الذي تجاوز الرؤية السلفية المتأخرة عن المرأة ونظرته الدونية لها، أضف إلى ذلك أن الطرق الصوفية تُقيم احتفالات تُحيي فيها مواقف من حياة متصوفات كثيرات، ومن ذلك على سبيل المثال: مولد السيدة زينب، الذي يُقام بوسط القاهرة في شهر رجب من كل عام هجري، ومولد السيدة سكينة، حفيدة الإمام الحسين سبط النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والسيدة فاطمة النبوية بنت الإمام الحسين، وموالد أخرى كثيرة لسيدات كان لهن دورٌ جليلٌ في خدمة الفقراء.

المرأة الصوفية..
الموالد للرجال فقط
في المقابل، نجد تراجعًا نسبيًّا فيما يخص موضوع المرأة في الصوفية؛ حيث إنها تُحْرم تحت مسمى «عدم الاختلاط بين الجنسين»، من حضور الحضرات الصوفية، التي يمتزج فيها الذكر مع التمايل بالحركة، كما يسعى المجلس الأعلى للطرق الصوفية -بحسب مصادر فيه- لمنع المرأة من حضور احتفالات موالد الأولياء والصالحين، قائلًا بشكل قاطع: «الموالد للرجال فقط».

كما تُحْرم المرأة داخل الطرق الصوفية من ممارسة حقها في إعطاء «البيعة» أو«العهد» أو «الولاء» التام لشيخ الطريقة، كما يفعل الرجال.
 
وفي تصريحات منسوبة لعدد من مشايخ الطرق الصوفية في مصر جاء فيها: إن إعطاء المتصوفة العهد لشيخ الطريقة ليس ضروريًّا، يكفي أن تكون مُحبّة، والمحب يأتي في درجة أقل من المُريد، الذي يُعطي العهد لشيخه، حتى يتمكن من تسجيل اسمه رسميًّا ضمن أبناء الطريقة التي يتبعها.

وتقترب تلك النظرة من نظرة تيارات «الإسلام الحركي» للمرأة، إذ ترفض جماعة الإخوان -أُسست في العام 1928- أخذ البيعة (مفهوم ديني يشير إلى إبداء شخص الولاء لشخص آخر) من المرأة، انطلاقًا من كونها أقل من الرجل، حسب تفسيراتهم.

ويتواءم هذا التغيير في نظرة الصوفية للمرأة مع الحالة المأخوذة عنوة نحو التشدد، إذ شهد العالم الإسلامي صعودًا لتيارات فكرية سلفية متشددة خلال القرن الأخير، وفي ظل الضعف الذي طرأ على الطرق الصوفية -التي تُمثل الوسطية- يمكن فهم لماذا تسيّد المتطرفون بهذه الدرجة، ولماذا تأثرت الصوفية اليوم فقط ولم تتأثر في عصور فتوتها.
"