إستراتيجية الخلافة الجديدة لأردوغان وأطماع تركيا في النفط والغاز
الثلاثاء 07/يناير/2020 - 07:53 م
وافق البرلمان التركي يوم 2 يناير علي نشر قوات في ليبيا لمساندة حكومة فايز السراج، الموالية للإسلاميين في طرابلس، ضد الجيش الوطني الليبي، الذي يقودة خليفة حفتر المدعوم من دول: "الإمارات العربية المتحدة وروسيا ومصر". إن وصول مقاتلين إسلاميين إلى ليبيا قادمين من سوريا هو خبر سيئ بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لأنه سيكون في مقدرة العديد من الجهاديين الاختلاط بالمهاجرين والوصول إلى الأراضي الأوروبية ... يسعي أردوغان، الذي يري فيه «الإخوان» خليفة المستقبل، لتحقيق أهدافه الإمبريالية والسيطرة علي الولايات العثمانية القديمة (قبرص، اليونان، العراق، سوريا، ليبيا، تونس). تطمع تركيا بشكل خاص في الاستحواذ علي احتياطيات النفط والغاز الهائلة في ليبيا وشرق البحر المتوسط تحت ستار الدفاع عن المسلمين والأقليات التركية المضطهدة.
بعد أقل من ثلاثة أشهر على عمليته العسكرية الثالثة في شمال سوريا، والتي أسفرت عن مقتل الآلاف من الأكراد، الذين تخلت عنهم الولايات المتحدة ونزوح مئات الآلاف منهم، يكرر أردوغان سياسة التدخل العدواني هذه المرة في ليبيا. يتوق الرئيس التركي للخلافة العثمانية التي أعلن أنه سيعيدها عام 2024 بعد مائة عام من إلغائها من قبل أتاتورك العلماني الذي يبغضه الإسلاميون. يريد أردوغان توسيع العمق الإستراتيجي لبلاده داخل المستعمرات العثمانية السابقة باسم الدفاع عن المسلمين والأقلية التركية، هذه الدبلوماسية العدوانية التي تهدد سوريا وليبيا منذ اندلاع الربيع العربي، لها تاريخ طويل في قبرص، حيث يمنع الجيش التركي بالقوة حكومة نيقوسيا الشرعية من إجراء عمليات تنقيب عن النفط في الجنوب في حين أن تركيا لا تملك هذا الحق فهي سلطة احتلال غير شرعية في الشمال (37% من الجزيرة) منذ عملية أتيلا عام 1974. ومنذ اكتشاف احتياطيات الغاز الضخمة في البحرالمتوسط، في بدايات هذا القرن ظهر العداء بين تركيا و اليونان، حيث تدعي أنقرة امتلاكها جزر بحر إيجة، كما ظهرت أيضًا خلافات مع قبرص والدول العربية المطلة على شرق المتوسط و الغنية بالنفط والغاز.
القومية الإسلامية وحرب الطاقة والخطط الانتخابية الداخلية
تركيا هي بلد عبور الغاز والنفط العربي والخليجي والروسي من منطقة القوقاز وبحر قزوين، تطالب أنقرة بحصة في احتياطيات الغاز الضخمة التي تم اكتشافها في السنوات الأخيرة قبالة سوريا ولبنان وقبرص واليونان وإسرائيل ومصر وليبيا، وتعارض اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين هذه الدول. لذلك تريد تركيا إعادة ترسيم حدودها البحرية، وتقوم بأعمال حفر غير قانونية قبالة قبرص استنادًا لما تسميه «حقوقها التاريخية» في بحر إيجة، وذلك علي حساب اليونان. كذلك يمنع الأسطول التركي الشركات الفرنسية والإيطالية والقبرصية من التنقيب عن الغاز في جنوب قبرص. وهو سلوك استفزازي لم يسبق له مثيل أدانه الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الماضي دون جدوى، فقد أعلنت أنقرة أنها ستستمر في أعمال الحفر والتنقيب ... ياله من موقف مذهل من جانب دولة تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي !
في تصريح يكشف عن رؤيته العدائية قال أردوغان: «لقد قمنا بتعزيز الأراضي التي نسيطر عليها، ويمكننا الآن إجراء عمليات استكشاف مشتركة ولا يجوز لأي طرف دولي آخر، دون إذن مسبق من تركيا، إجراء عمليات استكشاف في المناطق التي تغطيها هذه الاتفاقية. لاتستطيع قبرص ومصر واليونان وإسرائيل بناء خطوط أنابيب للغاز دون الحصول أولًا على إذن من تركيا».
إن الشعار الذي أطلقه أردوغان في بداية الألفينيات وهو «دولة بلا أعداء» كان يهدف فقط لإقناع الأوروبيين السذج بالموافقة علي انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. هذا الشعار يبدو اليوم مثيرًا للضحك. لقد حذر السلطان الجديد في برنامج على قناة TRT التركية يوم 10 ديسمبر، من أن تركيا سوف «تقوم بعمليات استكشاف مشتركة مع ليبيا قبالة قبرص» كجزء من الاتفاق المبرم يوم 27 نوفمبر بين أنقرة والحكومة الإسلامية في طرابلس، والذي يهدف إلى «الدفاع عن حقوق تركيا في المنطقة». إن الرغبة التركية في الاستحواذ علي المحروقات والأطماع العثمانية لأردوغان يفسران قرار "أنقرة" إرسال عسكريين أتراك وميليشيات إسلامية موالية لتركيا والجهاديين الدوليين والعرب الذين هزموا في سوريا، إلى الولاية العثمانية السابقة ولعاصمتها طرابلس، المهددة من قبل الجنرال حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا.
يبرر أردوغان هذا الاستعمار الجديد من خلال حقيقة أن المقاتلين الإسلاميين في مصراتة هم أحفاد مستوطنين أتراك عثمانيين. وإذا سقطت حكومة فايز السراج (الفخور بكونه من سلالة تركية) المؤيدة للإخوان المسلمين فإن أردوغان سيخسر موقعًا استراتيجيًّا مهمًا في البحر المتوسط وإفريقيا، حيث تواصل أنقرة إنشاء قواعد عسكرية كما هو الحال في ليبيا والسودان والصومال وتونس) وهي قواعد مكملة للقواعد التي سبق إنشاؤها في قبرص وبحر إيجة اليوناني وسوريا وغزة.
دبلوماسية الإخوان في خدمة المحروقات
يتفاوض أردوغان منذ عدة شهور مع موسكو وطهران ودمشق حول مشكلة المقاتلين الإسلاميين والجهاديين، الذين كان من المفترض أن تقلص تركيا أعدادهم ولكنها استخدمتهم لذبح الأكراد في شمال سوريا وتركتهم ليترعرعوا في إدلب في غرب سوريا. يوجد مايقرب من 12 ألف جهادي من القاعدة في هذه المدينة التي من المحتمل أن يكون زعيم داعش، أبوبكر البغدادي، قد اختبأ بها قبل أن تسلمه أنقرة للولايات المتحدة مقابل تخلي الأخيرة عن الأكراد. أراد اردوغان ضرب عصفورين بحجر، وقام بنقل الجهاديين العرب والدوليين (بما في ذلك الأوروبيون) من سوريا إلى ليبيا، ليقوموا بمساعدة نظام السراج ضد خليفة حفتر. فأردوغان لايريد أن يقوم حفتر بتوحيد ليبيا وتحقيق الاستقرار بها. ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد أرسلت تركيا بالفعل 300 جهادي إلى طرابلس في الأيام الثمانية الماضية، وقد وصل عدد المقاتلين الإسلاميين والجهاديين الأتراك في ليبيا إلى أكثر من 500، منهم مقاتلون سابقون في تنظيم القاعدة. وهناك مايقرب من 1600 أحمق يتدربون في مخيمات في تركيا وشمال سوريا ... كذلك كشفت جريدة «ميدل ايست اي» أن الميليشيات الموالية لتركيا التي ارتكبت جرائم حرب بشعة في سوريا، قد وصلت بالفعل إلى ليبيا ومنها "لواء السلطان مراد " و " كتائب صقور الشام " التي تضم عددًا من الجهاديين الفرنسيين والأوروبيين و" فيلق الشام" الذي يتألف من 4000 جهادي والتابع لجماعة «الإخوان» المصرية. يذكر أن الروابط بين الجبهتين السورية والليبية قوية للغاية فقد تم تزويد الجيش السوري الحر بكثافة من قبل جهاديي الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، الذين حاربوا مع القاعدة في العراق ومع الناتو في ليبيا للإطاحة بمعمر القذافي.
تونس في قلب اللعبة العثمانية الجديدة
تونس هي ولاية عثمانية سابقة مؤيدة لتركيا، استردها مؤخرًا إخوانيو النهضة. تشارك تونس في عملية الهجرة الجهادية هذه. ووفقًا لاتفاق تم التفاوض بشأنه يوم 25 ديسمبر بين الرئيسين التونسي قيس سعيد والتركي رجب طيب أردوغان (الذي كان يرافقه حاكان فيدان رئيس جهاز المخابرات التركي ، ووزراء الخارجية والدفاع) ، تستطيع تركيا استخدام مطار وميناء جربة لنقل الجهاديين إلى طرابلس ومصراتة. وبموجب الاتفاقية الموقعة مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، ستكون تركيا قادرة على إقامة ميناء في ليبيا، تستطيع أن تمد نفوذها عن طريقه في شرق المتوسط.
من الواضح أن هذه التطورات ليست في صالح الأوروبيين فالحدود الإيطالية تبعد 230 كم فقط عن السواحل الليبية التي يسيطر عليها إسلاميون موالون لنظام أردوغان. باختصار، يملك السلطان والخليفة التركي الجديد الذي لم يعد يخفي احتقاره للأوروبيين المنقسمين، ورقة ضغط مهمة، وهي ورقة «المهاجرين الحقيقيين والجهاديين غير الحقيقيين».
وكما حذر النائب المصري، عبدالرحيم علي، المتخصص في شؤون الإسلام ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط المؤثر، فإن بعض هؤلاء الجهاديين الذين أرسلهم الجيش التركي قد ينخرطون في صفوف المهاجرين غير الشرعيين ويصلون إلى جنوب إيطاليا أو مالطا بمساعدة المهربين ومنظمات الهجرة غير الحكومية، وهو ما يمثل صداعًا امنيًّا حقيقيًا لأوروبا، التي تعاني من تهديد إرهابي متكرر وغير قادرة علي تحييد المئات من الجهاديين الخارجين من السجون الذين قد يتحولون إلى وحوش مفترسة وينضم إليهم قريبًا مؤيدون من سوريا والعراق ...
هناك العديد من الأمثلة لإرهابيين وصلوا بالفعل إلى أوروبا قادمين من ليبيا. لقد وصل مواطن غامبي يدعي الاجي تورية إلى ميسينا في إيطاليا في ربيع عام 2018، وبينما كان في انتظار تسوية وضعه كلاجئ ، قام بالتخطيط لهجوم في أوروبا، وبعد إلقاء القبض عليه في إيطاليا، تم العثور علي شريط فيديو يثبت ولاءه لـ«داعش». لقد قامت الشبكات الإسلامية الليبية بتنفيذ هجومين إرهابيين كبيرين في أوروبا مؤخرًا. الأول نفذه أنيس عمري بشاحنة في ديسمبر 2016 ضد سوق للكريسماس في برلين، والثاني نفذه الإرهابي الانتحاري سلمان عابدي في مايو 2017 ضد حفل في مانشستر. وقد أعلن «داعش» مسئوليته عن الهجومين.