يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

إيران في سوريا.. بين الحصار الأمريكي وانفكاك الحلف الروسي

الخميس 24/مايو/2018 - 10:20 م
المرجع
محمود عبد الواحد رشدي
طباعة
بينما لا يزال التوتر الأمريكي الإيراني يُخيِّم على العلاقات بين البلدين، بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي -اتفاقية لوزان لعام 2015 بين الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا- في الثامن من مايو لعام 2018، على خلفية التدخل الإيراني في المنطقة، وما أشارت إليه إدارة ترامب إلى امتلاكها الأدلة لسعي طهران لحيازة السلاح النووي، على الرغم من رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
إيران في سوريا..
ورأت الإدارة الأمريكية أن الاتفاق النووي لم يمنع إيران من مساعيها النووية، بل سيدفعها نحو مزيد من التدخل وإشاعة الزعزعة لأمن المنطقة، وتمخض عن التوتر مزيد من الانقسام بينهما في الملف السوري، فأصبحت إيران وروسيا والنظام السوري من ناحية، وأمريكا وبريطانيا وتركيا من ناحية، إضافة إلى إسرائيل المتدخلة حديثًا لتوجيه ضربات انتقائية للمواقع الإيرانية.

وعلى صعيد الحلف الروسي، ظهرت بوادر خلاف بين إيران وميليشياتها من ناحية، والدب الروسي من ناحية أخرى، وتعددت الأسباب التي دعت إلى بروز الخلاف بينهما على الساحة السورية، تأتي أبرزها في المراوحة الروسية مع كل القوى الإقليمية والمؤثرة في سوريا، من ناحية تقاربها مع إسرائيل، وعلى الجانب الآخر تفاهمات فيما بينهما وبين الجانب التركي في الشمال السوري.

ومن هنا سنتناول في السطور التالية التوتر الإيراني الأمريكي بعد انسحاب الأخير من الاتفاق النووي، ودلالات الخلاف الإيراني الروسي، وماهية مستقبل الدور الإيراني والميليشيات الشيعية في سوريا.
إيران في سوريا..
أولًا: الحصار الأمريكي لإيران
تقوم السياسة الأمريكية على استراتيجية واضحة -استراتيجية الحصار- ضد التغلغل الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة بعدما أحاط بترامب عدد من المستشارين الرافضين للنفوذ الإيراني الإقليمي، فبعد إقالة تيرك تيلرسون، وزير الخارجية، وهيربرت ريموند، مستشارة الأمن القومي، الداعمين لحفاظ الولايات المتحدة على الاتفاق النووي الإيراني، لكن بعد إقالة كليهما، وتعيين مايك بومبيو للخارجية، وجون بولتون للأمن القومي، وكلاهما معادٍ لإيران، تَشجَّعَ ترامب للانسحاب من الاتفاق.

وأعلن الرئيس الأمريكي في مايو 2018، انسحاب الولايات المُتحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة، معللًا أن الاتفاقية لم تحمِ مصالح الولايات المُتحدة وحلفائها، وقال ترامب: إن الاتفاقية «وضعت قيودًا ضعيفة جدًّا على أنشطة النظام النووية، ولم تضع حدًّا على الإطلاق لسلوك إيران في منطقة الشرق الأوسط، ومن ذلك أنشطتها المتوسعة في سوريا، واليمن، وأماكن أخرى»، مضيفًا أنه سيُعيد فرض عقوبات اقتصادية كانت الإدارة الأمريكيَّة تتجنبها منذ توقيع الاتفاق في 2015.

وجاء قرار «ترامب» بناءً على خرق إيران لبنود الاتفاقيَّة، وزعمه أن طهران رفضت تلبية مطالبه حول برنامج التجارب الصاروخيَّة الباليستيَّة، وخرقت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، واستغلت الاتفاق للتوسع والتمدد الاستراتيجي في الإقليم، وتمويل ودعم الجماعات المسلحة والانفصالية، إضافةً إلى الضغط الإسرائيلي المتواصل على الإدارة الأمريكية.
إيران في سوريا..
ثانيًا: دلالات الخلاف بين حلفي «الأسد» وأسبابه
تعددت الأسباب التي أدت إلى بروز الخلاف بين روسيا وإيران، باعتبارهما حلفي النظام السوري والداعمين لبقاء الأسد في مواجهة الولايات المتحدة وتركيا، ومنها:

- التنسيق الروسي التركي في الشمال السوري؛ إذ بدأ الخلاف الإيراني الروسي بعدما سمحت الأخيرة لتركيا بالدخول إلى عفرين، وجاء ذلك في تصريح للرئيس الإيراني حسن روحاني، لتأكيده على معارضة إيران لوجود أي قوات أجنبية -إشارة منه إلى العمليات العسكرية التركية في عفرين في الشمال السوري دون موافقة الرئيس بشار الأسد- وتطور الأمر إلى دخول قوافل عسكرية تركية لبعض المناطق، كبلدة العيس في ريف حلب الغربي بسوريا بمباركة روسية، ووأوضحت بعض التقارير أن الميليشيات الشيعية -المدعومة من إيران- هي التي هاجمت القوافل التركية بالبلدة، وأن تزايد عدد الميليشيات الشيعية وقصفها لمنطقة الرتل التركي، جاء على خلفية رفض التنسيق التركي الروسي بشمال سوريا.

وفي هذا الإطار، تعاون الجانب التركي والروسي من أجل استغلال مكانة كل منهما داخل الصراع السوري، إذ تريد تركيا الاستفادة من الجانب الروسي في إبعاد الأقلية الكردية، ومنع تنامي وجودها على الحدود «التركية - السورية»، بعد فقدان أملها في التعاون الأمريكي، كما تريد أن تستغل القرب التركي لبعض فصائل المعارضة السورية على طاولة المفاوضات السورية المستقبلية.

- التنسيق الروسي الإسرائيلي؛ تدخلت إسرائيل في سباق الصراع السوري على إثر تزايد النفوذ الإيراني وميليشياتها، خاصة حزب الله في سوريا، ما يُمثل تهديدًا لها في الشمال الشرقي على الحدود «السورية - الإسرائيلية»، ومن ثم فقد جاءت ضرباتها الانتقائية ضد تحجيم التحركات الميدانية لإيران وحزب الله في سوريا، ونفذت إسرائيل هجمات جوية على العديد من المواقع الإيرانية في سوريا، وصرحت بأنها دمرت معظم البنى التحتية التابعة لفيلق القدس (الحرس الثوري الإيراني بالخارج).

وجاء التنسيق الروسي الإسرائيلي بشأن التفاهم بين الطرفين حول طبيعة الدور الإسرائيلي بسوريا، وإبلاغ بوتين بالضربات الجوية الإسرائيلية في الداخل السوري، وتحدثت العديد من التقارير حول إعطاء روسيا لإسرائيل الضوء الأخضر داخل سوريا.

كما امتنعت روسيا عن إمداد الجانب السوري بمنظومة الدفاع الجوي «إس 300»، التي اعتبرت تطورًا للتفاهم الروسي الإسرائيلي، جاء ذلك إثر زيارة نتنياهو لموسكو؛ لأنها أتت متزامنة معها، وتشكل «إس 300» نقلة نوعية كبيرة جدًّا لو امتلكتها الدفاعات الجوية السورية، التي تعتمد اليوم على منظومة امتلكتها إبان حقبة الاتحاد السوفييتي السابق.

- خلاف حول إعادة الإعمار في سوريا؛ تضاربت المصالح «الإيرانية - الروسية» حول مستقبل إعادة إعمار سوريا، فمن ناحية تعمل روسيا على توقيع عقود مع النظام السوري لمنحها الامتياز الأول في إعادة الإعمار، إذ يتنافس كل منهما في الحصول على امتيازات مشروعات تنموية، فقد وقعت روسيا والنظام السوري اتفاقية لخارطة طريق لعام 2018، اشتملت على عدة مشروعات وإنشاء منشآت للطاقة بسوريا.

كما أبدى النظام الإيراني انزعاجه من احتكار روسيا لملف إعادة إعمار سوريا، معلنًا على لسان وزير خارجيته جواد ظريف، «إمكان روسيا وإيران أن تكمل إحداهما الأخرى في عملية إعادة الإعمار»، واعتبر أن «حضور روسيا في عملية الإعمار لا يعني عدم حضور إيران».
إيران في سوريا..
مستقبل الدور الإيراني في المنطقة
يبدو أن الملف السوري مقبلٌ على محطات مهمة، سيكون أبرزها مستقبل الدور الإيراني وميليشياته في سوريا، لاسيما مع بدء حديث بوتين عن شرعية القوات الأجنبية في سوريا، معلنًا أن «الدور الروسي هو الوحيد مَنْ يملك شرعية التدخل في الصراع السوري»، إشارة لاستبعاد الميليشيات الشيعية والقوات الإيرانية بسوريا، فقد انزعجت روسيا من طهران لاستخدامها ميليشياتها لتصفية حسابات خارجية للنظام الإيراني على الساحة السورية من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن استفادتها من إيران كانت ضرورية قبيل تدخلها في سوريا؛ لاحتياجها لقوات برية لإعادة توازن القوى لصالح الأسد، وهو ما تحقق ميدانيًّا، ورأت إيران في هذا التصريح تقليلًا لدورها بسوريا.

وعلى الجانب الآخر، يأتي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ووضعها لعدة شروط في ثنايا خروج الميليشيات الإيرانية من سوريا، إضافة إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قائلًا: «إيران الراعي الأول للإرهاب، وعلى إيران أن تُعدل من سلوكها الخطر الذي هدد الأمن في المنطقة»، وهنا تتجمع تلك العوامل لتُشكل ما يُسمى بسياسية «الحصار السياسي» على الدور الإيراني بالمنطقة.

ومن المحتمل أن تشهد المفاوضات المستقبلية بين الولايات المتحدة وروسيا اتفاقًا حول وضع إيران داخل الملف السوري، وعليه فإن الوضع الراهن يشير إلى أن القوى الدولية والإقليمية تسير في اتجاه استبعاد إيران من المعادلة السورية، ما يطرح السؤال التالي: «هل تستمر تلك السياسة الممنهجة تجاه إيران؟ أم ستكون هناك تحولات في منحنى العلاقات الدولية يفضي بإدماجها مرة أخرى داخل حسابات الدول الكبرى؟».

أما على الجانب الإيراني: «فهل تتجه لمزيد من التصعيد والتعنت ضد رغبة الدول الكبرى؟ أم ستعدل من سياستها تجاه دول المنطقة؟».
"