ad a b
ad ad ad

إرهابيون على مائدة التفاوض.. طالبان طرف سياسي يحدد مستقبل أفغانستان

الأربعاء 14/أغسطس/2019 - 01:50 م
المرجع
نهلة عبدالمنعم
طباعة

تجلس حركة «طالبان» كطرف سياسي له حق التفاوض مع الولايات المتحدة حول مستقبل دولة أفغانستان، بل ومستقبل الوجود العسكري الأمريكي أيضًا، رافضة المكوث على طاولة مفاوضات واحدة مع الحكومة الرسمية للبلاد وفارضة شروطها على الجميع.


وإزاء هذا الموقف، يتجلى التساؤل حول ماهية الجماعات المسلحة ومنهجية تحولها من مجموعة متطرفة ومتمردة إلى طرف سياسي، وخصوصًا أنها لم تترك العنف بعد أو تضع أسلحتها، وتحديدًا فيما يخص «طالبان»؛ لأنها تتفاوض كممثل سياسي وحيد عن البلد، وليس طرفًا من ضمن الأطراف.


إرهابيون على مائدة

مشاهد أحادية

وشهد السبت 3 أغسطس 2019، المشهد الأحدث من المسلسل المتكرر مؤخرًا حول المفاوضات الجارية بين فريق المفاوضيين الأمريكيين، وعلى رأسهم المبعوث زلماي خليل زاده، وبين عناصر طالبان، التي مثلها وفد مكون من حوالي 19 قياديًّا بالجماعة؛ إذ اجتمع الطرفان مجددًا؛ للتباحث حول عدد من الملفات المهمة دون وجود الحكومة.


ومن البنود الأبرز التي يسعى الجانبان للاتفاق بشأنها، هي الانسحاب العسكري لقوات الولايات المتحدة، التي بقيت في المكان منذ 18 عامًا، وإحداث اتفاق سلام يضم جميع الأطراف مع ضمانات كافية؛ لعدم الإخلال بالاتفاق مستقبلًا، فيما تشترط طالبان الإفراج عن بعض عناصرها المعتقلين، ورفع أسماء البعض الآخر من على قوائم الإرهاب، على الرغم من تمسكها الشديد بحمل السلاح ورفض تركه.

إرهابيون على مائدة

تحول دراماتيكي

بالعودة إلى بدايات طالبان، سنجد أنها ظهرت منذ منتصف التسعينات كحركة راديكالية، استغلت اضطراب الأوضاع وفوضى المعارك السوفيتية بالبلاد، وبناء على المكتسبات السياسية والمجتمعية التي حصلت عليها، اعتلت الحركة حكم البلاد وسيطرت عليها، ولكن شكلت أحداث 11 سبتمبر نقطة محورية في توجه الولايات المتحدة ضدها.


ويلقي المشهد الحالي بظلاله على التوقعات المحتملة للمستقبل القريب، فمع جلوس الولايات المتحدة مع «طالبان» التي لطالما اتهمتها في الماضي برعاية الإرهابيين وإيواء عناصر القاعدة، وأهمهم زعيمها الراحل أسامة بن لادن، وجعل أفغانستان معسكرًا تدريبيًّا كبيرًا للعناصر المتطرفة، تبرز أطروحة المرونة الحتمية ودافعية المصالح، التي جعلت «جماعةً متطرفةً» طرفًا سياسيًّا مع الدولة الراعية للحروب المضادة للراديكالية الإسلاموية، إلى جانب احتمالية تحول المشهد الأفغاني لقيادة طالبانية متوقعة.

إرهابيون على مائدة

واقعية سياسية

وفيما يخص الوضعية الحالية للحركة كوسيط سياسي فاعل، يقول الباحث في شؤون الحركات المتطرفة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، على بكر: إن طالبان تختلف عن باقي الحركات الإرهابية الأخرى وتحولها لطرف سياسي، له أبعاد أخرى، فهي سيطرت لفترة على مقاليد الحكم في البلاد؛ لذا تتعامل كأنها الحاكم الشرعي للحدود الأفغانية، وحتى بعد الضربات العسكرية التي تلقتها، استطاعت الحفاظ على قوام عناصرها والتعداد العسكري الخاص بها وأنشطتها في بعض المناطق، فهي منذ ظهورها وهي طرف مهم وفاعل على الساحة الأفغانية.


ويضيف بكر في تصريح للمرجع، أن الولايات المتحدة أصبحت تدرك أنها لا يمكنها القضاء على طالبان عسكريًّا، وأن هذا أمر سيكلفها الكثير، والنتائج لن تكون كما تريد واشنطن، فبالتالي فهي مضطرة للتفاوض والبحث عن طريقة تمكنها من الخروج من أفغانستان بشكل يحفظ لها ماء الوجه، كما أن التفاوض الحادث حاليًّا هو بمثابة إقرار من الولايات المتحدة بقوة طالبان وسيطرتها على الأرض، وأنه لن يكون هناك سلام في أفغانستان دون وجود طالبان كطرف، وخصوصًا أنها فرضت عدة شروط على الولايات المتحدة مثل رفع أسماء قاداتها من قوائم الإرهاب وغيره.


وبناءً على ذلك، يرى الباحث، أن طالبان هي جماعة قوية، وفي المقابل تأتي الحكومة الأفغانية في صورة الطرف الضعيف، وبالتالي تسعى الإدارة الأمريكية للتوفيق بين طالبان والحكومة الداخلية للبلاد، رغم أن طالبان لا تعترف بها ولا تقبل التفاوض معها وهذه معضلة حقيقية، ولكن الأخطر من ذلك أن أي انسحاب أمريكي من أفغانستان أو وقف للضربات، سيؤدي إلى تصاعد قوة طالبان وسيطرتها على أماكن جديدة، فهذه هي المعضلة الأهم والتي يصعب حلها، وخصوصًا أن الوضع الحالي بمفرداته يصب في مصلحة طالبان أكثر من الولايات المتحدة ومن الحكومة الأفغانية.

إرهابيون على مائدة

مصالح متغيرة

من جهته يرى الأستاذ بجامعة القاهرة، سامح الجارحي، أن إشكالية تحول الجماعات الإرهابية إلى طرف سياسي، تبدو مختلفة لدى وضع طالبان، فهي من الأساس صناعة أمريكية زرعتها الولايات المتحدة بالمنطقة؛ لتكون شوكة في خاصرة الاتحاد السوفيتي وقت الاحتلال، فهو من البداية تم تأسيسه على أساس عسكري مسلح وبالفعل أسهم في تفتيت الاتحاد السوفيتي، ولم تكن الولايات المتحدة تعلم أنها قامت بإحياء حركة راديكالية عسكرية بالمنطقة انقلبت أولًا على الإدارة الأمريكية، وحكمت أفغانستان بالحديد والنار، وشكلت ملاذًا مهمًا للقاعدة وعناصرها؛ ما شكل تحولًا في توجه أمريكا ضدها.


وأضاف الباحث في تصريح خاص للمرجع، أن تحول الحركة لطرف سياسي، يستند أولاً على فشل الولايات المتحدة في القضاء على طالبان والقاعدة  في أفغانستان، ثم على معرفة المجموعة بالتضاريس الصعبة للبلاد وتكيفها مع العيش بداخلها، إلى جانب حروب العصابات التي تجيدها والتي تفوقت بها على الولايات المتحدة، وسيطرتها على جزء كبير من أفغانستان، ومن ذلك وجدت واشنطن أن الواقع يفرض عليها تقبل الحركة على طاولات المفاوضات عن طريق الدولة القطرية، التي ترعى هذه المباحثات.


ولكن من رأيه، أن طالبان تفتقر تمامًا إلى الحكمة السياسية، كما أن حكومة أفغانستان ضعيفة، وتبدو كوليدة سياسية، ولذلك فأي اتفاق سياسي، مرهون بالالتزام، فمن الممكن أن تنقلب طالبان على الحكومة في أي وقت؛ لذا يلزم الجميع التوصل إلى بنود محددة تشمل وقف إطلاق النار وتسليم طالبان الأسلحة والمعدات العسكرية وانسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان ومعها مستشاريها العسكريين.


ووفقًا للتوقيت والمكتسبات على أرض الواقع يعتقد سامح الجارحي، أن أي جماعة يمكنها أن تحدد مدى قدرتها على محاكاة النموذج الطالباني.

"