دراسة: «شعبوية» اليمين المتطرف تهدد الجاليات الإسلامية
الإثنين 29/يوليو/2019 - 07:17 م
أحمد لملوم
لفترة طويلة اعتبرت إيطاليا الجار الأوروبي الأقرب لدول إسلامية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة الدول الواقعة في شمال أفريقيا، ومنذ خمسينيات القرن الماضي توجه مواطنون من هذه الدول للعيش في إيطاليا، فيما توقع مركز «بيو» للأبحاث أن يشكل المسلمون خمسة في المائة من عدد السكان في البلد الأوروبي ذي الأغلبية الكاثوليكية بحلول عام 2020.
وفي
دراسة جديدة للباحثة الإيطالية مانويلا كاياني، المتخصصة في مجال مكافحة
الإرهاب، رصدت زيادة مخاوف أبناء الجالية المسلمة في إيطاليا مع وجود حكومة
ائتلافية شعبوية مكونة من الأحزاب اليمينية، فبين الفينة والأخرى يخرج
ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي وزعيم حزب الرابطة اليميني
بتصريح صحفي يدعم هذه المخاوف، فالسياسي الإيطالي يرى أن الدين الإسلامى لا
ينتمي إلى بلاده ويرغب في مراقبة مراكز تجمع الجالية المسلمة في البلاد.
وتتحدث «كاياني» في بداية الورقة البحثية التي نشرتها جامعة «فلورنسا» الإيطالية،
كيف كانت الانتخابات البرلمانية عام 2013 بداية صعود الحركات اليمينية
وتبنيها لخطاب شعبوي لكسب المزيد من التأييد بين الناخبين، ونجح حزب «حركة
النجوم الخمس» في الحصول على 25.6 في المائة من الأصوات، وأحدثت هذه
النتيجة زلزالًا غير المشهد السياسي في إيطاليا ربما للأبد.
واستمر
صعود الحزب اليميني في انتخابات عام 2018، إذ استطاع حصد 32 في المائة من
الأصوات، بينما حصد حزب الرابطة نحو 17 في المائة من الأصوات، وبعد مفاوضات
بين الحزبين تشكلت حكومة ائتلافية تحكم ثالث أكبر اقتصاد أوروبي.
وتخصص «كاياني» جزءًا كاملًا في الورقة البحثية عن نظرة المسلمين في إيطاليا
للتغييرات السياسية التي شهدتها البلاد، إذ قامت بإجراء لقاءات شخصية مع
عدد منهم، أعرب خلالها نحو
75 في المائة عن قلقه من خطاب الأحزاب اليمينية تجاه الجالية المسلمة،
واعتبروا أن هذه الأحزاب تحاول تحقيق مكاسب سياسية على حسابهم، ومحاولة خلق
صورة غير حقيقية عنهم، فالكثير من المسلمين يرى أن الهوية الإيطالية لا
يمكن تغيرها واستبدالها بهوية أخرى.
كما
رصد عدد من العوامل التي ساهمت في هذه الصعود المطرد للأحزاب التي تتبنى
خطابًا شعبويًّا وعلاقتهم مع الجالية المسلمة في إيطاليا، منها حالة الكساد
الاقتصادي التي شهدتها إيطاليا بين عامي 2009 و2012، وأزمة اللاجئين من
مناطق النزاع في الشرق الأوسط، واللذان لعبا دورًا في صعود أحزاب اليمين في
إيطاليا، لكنها تشير إلى اختيار عدد كبير من الناخبين لهذه الأحزاب وصفتها
بـ «ثورة صامتة» يحركها الهاجس من حدوث تغيير في الثقافة والهوية الإيطالية
مع وجود عدد كبير من المسلمين في البلاد، فهناك من رأى في سياسيي الأحزاب
اليمينية أنهم «الإيطاليون الأصليون» الذين يحمون الهوية الأوروبية للبلاد.
وتتطرق
الباحثة في هذا السياق إلى إحصائيات لتفسير كيف تغيرت النظرة إلى المسلمين
في إيطاليا، ففي عام 2008 كان نحو 40 في المائة من الإيطاليين ينظرون
للمهاجرين من الدول الإسلامية على أنهم أشخاص عاديون لا يشكلون أي معضلة،
لكن هذه النظرة تغيرت على المدي المتوسط، وفي عام 2016 أظهرت الإحصائيات أن
نحو 70 في المائة من الإيطاليين يرى في المهاجرين من الدول الإسلامية مصدر
قلق.
متغيرات القارة العجوز
ترى
الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة،
أنه عند الحديث عن التيارات السياسية التي تستخدم الخطاب الشعبوي في
أوروبا، فلابد من وضع في الاعتبار التغييرات التي مرت بها القارة العجوز،
خاصة بعد ما عرف بثورات الربيع العربي التي أسفرت عن تغيير بعض الأنظمة
الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن اشتعال صراعات في دول عدة مازالت
مستمرة حتي الآن كسوريا وليبيا.
وتضيف «بكر» في تصريح لـ«المرجع» أن دول جنوب البحر المتوسط كانت تصدر للدول الأوروبية، وخاصة إيطاليا، المهاجرين المهرة الذين يفيدون الدولة المضيفة
لهم وسد الحاجة في عدة وظائف، ومع الأسف فوجود اليمين المتطرف سيستمر لعدم
انتهاء الظروف التي أدت إلى صعوده.
وفيما يخص رد فعل المسلمين والمهاجرين الموجودين في الدول التي تشهد صعودًا مثل هذه التيارات السياسية، تقول أستاذ العلوم السياسية إنه
يجب التعامل بواقعية مع هذه المشكلة، ومعرفة أن التصرفات التي يقوم بها
الأشخاص أصبحت تتابع من قبل أطراف مختلفة، أملًا في قيام شخص من أصول مهاجرة
أو منتمٍ للديانة الإسلامية بخطأ ما، ليتم استغلاله في الترويج لأفكار
التيارات اليمينية.





